في زمن قصير نسبياً، استطاع محمد عمورة أن يفرض نفسه كأحد أبرز المهاجمين في القارة الأفريقية، متحولاً من لاعب “جوكر” إلى نجم لا يُضاهى في التشكيلة الوطنية. مع 16 هدفاً في 37 مباراة دولية، و8 أهداف في تصفيات كأس العالم 2026 وحدها، بات مهاجم فولفسبورغ الألماني على بُعد خطوة واحدة من اعتلاء عرش هدافي التصفيات الأفريقية، ومرشحاً قوياً ليصبح الهداف التاريخي للمنتخب الجزائري.
من وفاق سطيف إلى البوندسليغا.. رحلة صعود استثنائية
قصة محمد عمورة تُلخّص المسار المثالي للاعب جزائري طموح. تخرّج من رحم الدوري المحلي عبر بوابة وفاق سطيف العريقة، حيث صقل موهبته وأظهر إمكانياته الهجومية الهائلة. لم يطل الانتظار قبل أن تلتفت إليه الأندية الأوروبية، فانتقل إلى سويسرا ثم بلجيكا، مُثبتاً في كل محطة أنه مهاجم من طراز رفيع.
القفزة الكبرى جاءت مع انتقاله إلى فولفسبورغ الألماني، أحد أندية البوندسليغا المرموقة، حيث يُثبت يوماً بعد يوم أنه قادر على المنافسة في واحد من أقوى وأصعب الدوريات الأوروبية. هذا المسار الاحترافي المتصاعد لم يكن صدفة، بل نتيجة موهبة فطرية، عمل دؤوب، وطموح لا يعرف الحدود.
مهاجم متكامل.. سلاح بلا نقاط ضعف
ما يميز محمد عمورة عن كثير من المهاجمين الآخرين هو تعدد أسلحته الهجومية. فهو ليس مجرد مهاجم يجيد التسجيل بطريقة واحدة، بل يمتلك ترسانة متكاملة تجعله كابوساً لأي دفاع:
السرعة الخاطفة: يملك عمورة تسارعاً مذهلاً يسمح له بالانقضاض على المساحات الخلفية وتجاوز المدافعين بسهولة. سرعته تحوّل أي كرة عرضية أو تمريرة عمق إلى فرصة حقيقية للتسجيل.
القدمان الذهبيتان: يسجل باليمنى بقوة ودقة، ويصل إلى المرمى باليسرى بنفس الفعالية. هذه الثنائية تجعل من الصعب على المدافعين التنبؤ بتحركاته أو إجباره على استخدام قدم معينة.
اللعب الهوائي: رغم أنه ليس بالطول الفارع، إلا أن قدرته على القفز عالياً والتوقيت المثالي في ضرب الكرة بالرأس تجعله خطراً حقيقياً في الكرات العرضية والثابتة.
الذكاء التكتيكي: تحولاته الهجومية لا تُقاوم، حيث يعرف متى ينسحب لاستقبال الكرة، ومتى يتسلل خلف الدفاع، ومتى يتحرك نحو الأطراف لخلق مساحات لزملائه. هذا الفهم العميق للعبة يجعله مهاجماً شاملاً وليس مجرد هداف.
8 أهداف في التصفيات.. على عتبة التاريخ
الإحصائية الأبرز في مسيرة عمورة الحالية هي تسجيله 8 أهداف في تصفيات كأس العالم 2026، وهو رقم يضعه في المركز الأول بين هدافي التصفيات الأفريقية مناصفة مع الغابوني بوانغا. هذا الإنجاز ليس مجرد رقم عابر، بل يعكس قدرته الاستثنائية على التسجيل في المباريات الحاسمة والمنافسات الرسمية.
مع بقاء مباراة واحدة على الأقل في التصفيات (أمام أوغندا على ملعب تيزي وزو)، يمتلك عمورة فرصة ذهبية لاعتلاء صدارة الهدافين منفرداً، وحسم لقب أفضل هداف في التصفيات الأفريقية المؤهلة لمونديال 2026. هدف واحد أو اثنان في هذه المباراة قد يمنحانه التفوق الحاسم ويضعان اسمه في سجلات التاريخ.
من “جوكر” إلى نجم بلا منازع
المشهد الأكثر إثارة في قصة عمورة هو تحوله السريع من لاعب بديل يُستخدم كـ”جوكر” في الدقائق الأخيرة، إلى مهاجم أساسي لا غنى عنه في التشكيلة الوطنية.
16 هدفاً في 37 مشاركة دولية كان معظمها في البداية عبارة عن مشاركات محدودة من على مقاعد البدلاء، قبل أن تُجبر أهدافه المتكررة وفعاليته الواضحة الجهاز الفني على منحه الثقة الكاملة كمهاجم أساسي. اليوم، عمورة يلعب في المحور كمهاجم صريح، أو في الرواق الأيسر كجناح هجومي، وفي كلتا الحالتين يُثبت أنه السلاح الأكثر فتكاً في ترسانة الخضر.
هذا التحول لم يكن مجرد حظ أو مصادفة، بل نتيجة عمل دؤوب على تطوير نفسه، إيمان بقدراته، واستغلال ذكي لكل فرصة أُتيحت له. كلما دخل عمورة أرضية الملعب، ترك بصمة واضحة، حتى أصبح اسمه الآن في قائمة الأسماء الأولى في التشكيلة المثالية.
القوة الهجومية التي تُغطي النقائص
في ظل بعض النقائص والعيوب التي قد تظهر أحياناً في التشكيلة الوطنية، سواء في الوسط أو الدفاع، يبرز عمورة كالحل السحري الذي يُعوّض هذه المشاكل. قدرته على تحويل أنصاف الفرص إلى أهداف، وخلق الخطورة من العدم، تمنح المنتخب الجزائري سلاحاً هجومياً يُغطي على كثير من الهفوات في خطوط أخرى.
وجود مهاجم بهذه الفعالية يخفف الضغط عن باقي اللاعبين، ويمنح الجهاز الفني ثقة كبيرة في قدرة الفريق على حسم المباريات حتى لو لم يكن الأداء الجماعي في أفضل حالاته. عمورة أصبح أمل التشكيلة الوطنية في قادم الاستحقاقات، والضمانة الأكبر لتحقيق الانتصارات والإنجازات.
الطريق نحو لقب الهداف التاريخي
بعمر 24 عاماً فقط، ومع 16 هدفاً دولياً في رصيده من 37 مباراة، يملك محمد عمورة طريقاً مفتوحاً نحو لقب الهداف التاريخي للمنتخب الجزائري. الهداف الحالي عبد المالك زيايا يملك 31 هدفاً دولياً، وهو رقم قابل للتحطيم إذا استمر عمورة بنفس النسق والفعالية.
الحسابات البسيطة تُظهر أن عمورة يحتاج لتسجيل 16 هدفاً إضافياً فقط لمعادلة الرقم القياسي، وهدف واحد بعدها لحسم اللقب. مع معدل تسجيله الحالي (0.43 هدف لكل مباراة)، وفي ظل تحسن مستواه المستمر، يحتاج إلى حوالي 37 مباراة إضافية لتحقيق هذا الإنجاز، وهو رقم قابل للتحقق في غضون 3-4 سنوات فقط إذا استمر في المشاركة بانتظام.
لكن الأهم من ذلك، فعاليته في المباريات الرسمية والحاسمة تُرشحه ليكون ليس فقط الهداف التاريخي بالأرقام، بل الهداف الأكثر تأثيراً في تاريخ المنتخب الجزائري. أهدافه ليست مجرد أرقام، بل أهداف حاسمة تُحقق الانتصارات والتأهلات.
مباراة أوغندا.. موعد مع التاريخ
تُمثل مباراة الجزائر أمام أوغندا على ملعب تيزي وزو فرصة ذهبية لمحمد عمورة لكتابة فصل جديد في مسيرته المتألقة. الفوز بلقب أفضل هداف في التصفيات الأفريقية المؤهلة لكأس العالم 2026 سيكون إضافة مهمة لسجله الحافل، وتأكيداً على أنه المهاجم الأبرز في القارة حالياً.
الجماهير الجزائرية تترقب بشوق أداء “El Goleador” في هذا الموعد، آملة أن يواصل نسقه التهديفي المذهل ويُهدي الخضر أهدافاً جديدة تُقرّب المنتخب من حسم التأهل الرسمي للمونديال. كل هدف يسجله عمورة يُقربه خطوة من التاريخ، ويُرسخ اسمه كواحد من أعظم المهاجمين الذين ارتدوا قميص المنتخب الوطني.
خلاصة.. كنز حقيقي يجب الحفاظ عليه
المنتخب الجزائري يملك كنزاً حقيقياً في شخص محمد عمورة. مهاجم متكامل، سريع، فعّال، ذكي تكتيكياً، ويسجل بكل الطرق الممكنة. رحلته من وفاق سطيف إلى البوندسليغا تُلهم جيلاً كاملاً من اللاعبين الشباب، وأهدافه المتكررة تُسعد ملايين الجزائريين.
الطريق أمامه مفتوح نحو تحطيم الأرقام القياسية وحصد الألقاب. تاج الهداف الأول في التصفيات الأفريقية ينتظره، ولقب الهداف التاريخي للجزائر ليس بعيداً عن متناول يديه. كل ما يحتاجه هو الاستمرار في العمل بنفس الجدية، الحفاظ على لياقته البدنية، والبقاء جائعاً للأهداف والإنجازات.


