كمال مهدي : غير ممكن إتهامي بفساد الكرة الجزائرية و أنا أحاربها

خرج الإعلامي الرياضي الجزائري كمال مهدي من صمته الذي دام 72 ساعة، ليواجه واحدة من أصعب المحن في مسيرته المهنية الممتدة لأكثر من عقدين. في فيديو توضيحي مطول، حاول الرجل الذي اعتاد على تسليط الأضواء على قضايا الفساد في الكرة الجزائرية أن يدافع عن نفسه ضد اتهامات طالته بعد تسريب مكالمة هاتفية أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الرياضية والإعلامية.

بدأت القصة بتسريب تسجيل صوتي منسوب لكمال مهدي، يتحدث فيه مع شخص يُفترض أنه مناجير حول قضايا تتعلق بلاعبين ونشاطات قد تُفسر على أنها مشبوهة. التسجيل، الذي يعود تاريخه إلى شهر جويلية الماضي وفقاً لتوضيحات مهدي، انتشر بسرعة البرق عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، مما خلق عاصفة حقيقية حول الرجل الذي بنى سمعته على محاربة الفساد في الوسط الرياضي.

ردود الفعل لم تتأخر، حيث أصدرت مولودية وهران بياناً رسمياً، وتقررت معاقبة مهدي بمنعه من الظهور الإعلامي مؤقتاً. هذا التطور السريع للأحداث وضع الإعلامي المخضرم في موقف دفاعي صعب، اضطره للخروج بتوضيح شامل يحاول من خلاله إعادة ترتيب الأوراق وكشف ما يعتبره “الحقيقة الكاملة” للرأي العام.

في فيديوه التوضيحي، اعتمد مهدي على استراتيجية دفاعية متعددة الأبعاد. أولاً، سعى إلى تفكيك المحتوى المسرب من خلال وضعه في سياقه الزمني والظرفي، مؤكداً أن الحديث كان “تلقائياً وعفوياً” مع صديق، وأن مفهوم “التوسط” في المجال الرياضي أمر اعتيادي لا يحمل أي مضامين فاسدة. هذا التفسير يهدف إلى نزع الطابع الإجرامي عن المحادثة وإعادة تأطيرها كممارسة مهنية عادية.

ثانياً، انتقل مهدي إلى الهجوم المضاد، متهماً “أطرافاً” غير محددة بالتخطيط لتشويه صورته واستغلال التسجيل لأغراض خبيثة. هذا التكتيك، المعروف في علم الاتصال السياسي، يهدف إلى تحويل النقاش من الدفاع عن النفس إلى فضح المؤامرة المزعومة، مما يضع الخصوم في موقف المهاجم الذي يجب عليه تبرير أفعاله.

أحد أقوى الحجج التي استند إليها مهدي في دفاعه كان تاريخه المهني الطويل والنظيف. الرجل الذي قضى أكثر من 20 سنة في الإعلام الرياضي، منها 16 سنة في الإذاعة الوطنية، استخدم هذا السجل كدرع ضد الاتهامات الموجهة إليه. هذا الاستناد إلى التاريخ المهني ليس مجرد تكتيك دفاعي، بل محاولة لتذكير الجمهور بالهوية المهنية التي بناها على مر السنين.

الإشارة إلى مواقفه السابقة في محاربة الفساد، وتسليط الضوء على قضايا مشبوهة في الكرة الجزائرية، تأتي في إطار محاولة إعادة تأكيد الهوية المهنية التي تعرض للاهتزاز. هذه الاستراتيجية تهدف إلى خلق تناقض في ذهن المتلقي: كيف يمكن لشخص حارب الفساد طوال مسيرته أن يصبح فاسداً بين ليلة وضحاها؟

في محاولة لإضفاء طابع إنساني على دفاعه، استذكر مهدي مواقفه الشخصية مع بعض اللاعبين، خاصة وقوفه مع عائلة هشام شريف الوزاني في قضية المخدرات. هذا الاستذكار ليس عشوائياً، بل محاولة ذكية لإظهار الجانب الإنساني والأخلاقي في شخصيته، مما يتناقض مع صورة الشخص الانتهازي التي قد يحاول خصومه رسمها.

الاعتذار العلني لمن “زُجّ بأسمائهم” في الحديث المسرب يُظهر حساً بالمسؤولية، لكنه في الوقت نفسه يؤكد أن هناك أطرافاً أخرى تضررت من هذا التسريب، مما يعزز رواية “المؤامرة” التي يحاول مهدي الترويج لها. هذا الاعتذار الانتقائي يحمل رسالة مزدوجة: الاعتراف بحدوث ضرر، مع إلقاء المسؤولية على من قام بالتسريب وليس على محتوى الحديث نفسه.

الإشارة إلى علاقته بوهران وأهلها تكشف عن البُعد الجهوي للأزمة، والذي قد يكون الأخطر على مستقبل مهدي المهني. رفضه لـ”تسييس القضية أو تحويلها لجهوية وعنصرية” يأتي كمحاولة لنزع هذا البُعد الخطير عن النقاش، خاصة أن الانتماءات الجهوية في الجزائر يمكن أن تتحول إلى سلاح ذو حدين في المعارك الإعلامية.

التأكيد على أنه “يعتبر أهل وهران أهله منذ صغره” ونفي أي عداء مع المدينة أو فريقها يهدف إلى تحييد هذا الجانب الحساس من النقاش. لكن هذا الدفاع نفسه يكشف عن إدراك مهدي لخطورة هذا البُعد وتأثيره المحتمل على مستقبله المهني، خاصة في مجتمع يولي أهمية كبيرة للانتماءات المحلية والجهوية.

ختام فيديو مهدي بتأكيده أن “مسيرته ستستمر بنفس القوة والصراحة” يحمل تحدياً واضحاً لمن يحاولون إنهاء مسيرته المهنية. هذا الموقف المتحدي قد يكون محاولة لإظهار القوة والثبات أمام الانتقادات، لكنه في الوقت نفسه يطرح تساؤلات حول قدرته الفعلية على العودة إلى الساحة الإعلامية بنفس القوة السابقة.

الثقة في أن “العدالة ستنصفه” و”ستكشف من هو الفاسد والمبتز الحقيقي” تشير إلى أن مهدي قد يلجأ إلى القضاء لحسم هذه القضية نهائياً. هذا التوجه القانوني، إن تحقق، قد يكون المحك الحقيقي لصدقية ادعاءاته ونزاهة موقفه، كما قد يحدد مصيره المهني بشكل نهائي.

قضية كمال مهدي تقدم درساً مهماً في كيفية تعامل الشخصيات العامة مع الأزمات الإعلامية في عصر التواصل الاجتماعي والتسريبات المنتشرة. نجاح أو فشل استراتيجيته الدفاعية سيحدد ليس فقط مستقبله المهني، بل قد يضع معايير جديدة لكيفية التعامل مع مثل هذه الأزمات في المستقبل.

النتيجة النهائية لهذه الأزمة ستكون اختباراً حقيقياً لقوة العلاقة بين الإعلامي وجمهوره، ولمدى تأثير التاريخ المهني الطويل في حماية السمعة ضد الاتهامات الطارئة. كما ستكشف عن طبيعة المعايير الأخلاقية والمهنية التي يتوقعها الجمهور الجزائري من الإعلاميين الرياضيين في ظل التحديات المتزايدة للشفافية والنزاهة في هذا المجال الحساس.