بعد ثماني جولات مثيرة من تصفيات كأس العالم 2026، نجح المنتخب الجزائري في كتابة فصل جديد من تاريخه الكروي المجيد، متصدراً المجموعة الخامسة برصيد 19 نقطة ومقترباً خطوة واحدة من حجز مقعده في المونديال الخامس في تاريخ “الخضر”. في هذا التقرير الشامل، نستعرض بالأرقام الدقيقة رحلة التأهل التي شهدت لحظات مبهرة وأداءً جماعياً استثنائياً.
مسيرة الخضر في التصفيات.. نتائج تعكس التفوق
بدأت رحلة المنتخب الجزائري في التصفيات بقوة وثبات، حيث جمع 19 نقطة من أصل 24 نقطة ممكنة عبر ثماني مواجهات. النتائج جاءت كالتالي:
الجولة الأولى: الجزائر 3 – 1 الصومال، بأهداف سليماني، بونجاح، وهدف ضد المرمى من عبدي. انطلاقة موفقة على أرض الوطن عززت الثقة منذ البداية.
الجولة الثانية: موزمبيق 0 – 2 الجزائر، بتوقيع زروقي وشايبي. الفوز خارج القواعد أثبت قدرة الخضر على التأقلم مع مختلف الظروف.
الجولة الثالثة: الجزائر 1 – 2 غينيا، الخسارة الوحيدة في المشوار بعد هدف بالدي العكسي. عثرة مؤقتة لم تُفقد المنتخب توازنه.
الجولة الرابعة: أوغندا 1 – 2 الجزائر، بهدفي عوار وبن رحمة. رد فعل قوي بعد الخسارة الأولى أكد صلابة المجموعة.
الجولة الخامسة: بوتسوانا 1 – 3 الجزائر، ثلاثية من غويري وعمورة مرتين. تأكيد السيطرة على المجموعة في مواجهة خارجية أخرى.
الجولة السادسة: الجزائر 5 – 1 موزمبيق، عرض هجومي مبهر بخماسية سجلها عمورة (3)، ماندي، وحجام. أكبر فوز في التصفيات يعكس القوة الهجومية الهائلة.
الجولة السابعة: الجزائر 3 – 1 بوتسوانا، بأهداف عمورة، وثنائية بونجاح. استمرار الانتصارات على الأرض الجزائرية.
الجولة الثامنة: غينيا 0 – 0 الجزائر، التعادل الوحيد في المشوار حسم عملياً التأهل بنقطة ثمينة خارج القواعد.
عمورة يقود قائمة الهدافين.. هجوم متنوع ومرعب
أحد أبرز ملامح حملة التصفيات كان التنوع الهجومي الاستثنائي للمنتخب الجزائري. سجلت شباك الخضر 19 هدفاً في 8 مباريات، وزعها 10 لاعبين مختلفين، مما يعكس عمق الخيارات الهجومية المتاحة.

يتصدر محمد عمورة قائمة هدافي المنتخب بـ 6 أهداف، محتلاً المركز الثالث في ترتيب هدافي التصفيات الإفريقية بأكملها مناصفة مع الكيني أولانغا، خلف النجم المصري محمد صلاح صاحب 7 أهداف، والهداف الغابوني بوانغا الذي يتصدر بـ 8 أهداف. إنجاز عمورة يؤكد أنه أصبح السلاح الهجومي الأول للخضر وأحد أبرز المهاجمين في القارة الأفريقية.
يليه في الترتيب المهاجم القوي بغداد بونجاح بـ 3 أهداف، بينما شارك في الاحتفال الهجومي كل من: غويري، عوار، حجام، ماندي، شايبي، زروقي، بن رحمة، وسليماني بهدف واحد لكل منهم. هذا التنوع يُشكل كابوساً لأي دفاع، إذ لا يمكن للخصوم التركيز على لاعب واحد فقط.
دفاع صلب وثنائيات متناغمة
على الرغم من القوة الهجومية الطاغية، لم يُهمل المنتخب الجزائري الجانب الدفاعي. تلقت شباك الخضر 7 أهداف فقط في 8 مباريات، بمعدل أقل من هدف لكل مباراة، وهو رقم ممتاز يعكس التوازن التكتيكي للفريق.
شهدت مرمى المنتخب تناوباً بين حارسين اثنين: ماندريا الذي خاض 4 لقاءات وتلقى 4 أهداف، وڨندوز الذي شارك في 4 مباريات أيضاً لكنه تلقى 3 أهداف فقط، مما يعطيه تفوقاً طفيفاً في الأداء الإحصائي.
أما في قلب الدفاع، فقد اعتمد الجهاز الفني على أربعة مدافعين محوريين بشكل أساسي: عيسى ماندي، توڨاي، بن سبعيني، ومداني. استخدمت ثلاث ثنائيات دفاعية مختلفة:
- ماندي – توڨاي: الثنائي الأكثر استخداماً (4 مرات)، وهو الخيار المفضل للمباريات الكبرى.
 - ماندي – بن سبعيني: استخدم 3 مرات، ويُعتبر البديل الموثوق.
 - ماندي – مداني: استخدم مرة واحدة فقط للتنويع أو لإراحة اللاعبين الأساسيين.
 
وجود عيسى ماندي كعنصر ثابت في كل الثنائيات يؤكد أهميته القصوى في البناء الدفاعي للمنتخب، باعتباره القائد والمحور الذي تُبنى عليه الخطوط الخلفية.
فلسفة تكتيكية واضحة.. 4-3-3 هي السيد
أظهر المنتخب الجزائري ثباتاً تكتيكياً ملحوظاً طوال التصفيات، حيث اعتمد على خطة 4-3-3 في 7 مباريات من أصل 8، وهي الطريقة التي استخدمت أمام: الصومال، موزمبيق ذهاباً وإياباً، أوغندا، بوتسوانا ذهاباً وإياباً، وغينيا في مباراة العودة.
الطريقة الوحيدة المختلفة كانت 4-4-2 التي لُعبت مرة واحدة فقط في مباراة الذهاب أمام غينيا (1-2)، وهي المباراة الوحيدة التي خسرها المنتخب. قد يكون هذا مؤشراً على أن خطة 4-3-3 هي الأنسب لخصائص اللاعبين الجزائريين، حيث توفر التوازن الأمثل بين الدفاع والهجوم، وتُطلق العنان للأجنحة السريعة والمهاجم المحوري.
هذا الثبات التكتيكي يعكس رؤية واضحة من الجهاز الفني، ويمنح اللاعبين الألفة والانسجام التام مع مراكزهم وأدوارهم، مما ينعكس إيجاباً على مستوى الأداء الجماعي.
أرقام تتحدث عن نفسها
عند تحليل الأرقام الإجمالية لحملة التصفيات، نجد أن المنتخب الجزائري:
- حقق 6 انتصارات من أصل 8 مباريات، بنسبة نجاح 75%.
 - تعادل مرة واحدة وخسر مباراة يتيمة، مما يعني أنه لم يُهزم إلا مرة واحدة فقط.
 - سجل 19 هدفاً بمعدل 2.37 هدف لكل مباراة، وهو معدل هجومي ممتاز.
 - استقبل 7 أهداف فقط بمعدل 0.87 هدف لكل مباراة، مما يعكس التوازن الدفاعي.
 - فارق الأهداف +12، وهو أفضل فارق في المجموعة بلا منازع.
 
هذه الأرقام تضع الجزائر في مصاف المنتخبات الأفريقية الكبرى المتأهلة للمونديال، وتعكس أداءً جماعياً متكاملاً يجمع بين القوة الهجومية والصلابة الدفاعية، مع استقرار تكتيكي واضح.
مباراة واحدة تفصل الخضر عن الحلم
بعد كل هذه الأرقام المبهرة والأداء الاستثنائي، يحتاج المنتخب الجزائري إلى 3 نقاط فقط من مباراة واحدة لحسم التأهل الرسمي إلى كأس العالم 2026. الموعد القادم أمام الصومال على ملعب ميلود هدفي بوهران قد يشهد اللحظة التاريخية التي طال انتظارها منذ 12 عاماً.
الأرقام لا تكذب، والأداء الجماعي المتميز طوال الحملة يعطي ثقة كبيرة في قدرة الخضر على إنهاء المهمة بنجاح. المونديال الخامس في تاريخ الجزائر بات على بُعد 90 دقيقة فقط، وكل المؤشرات تشير إلى أن حلم ملايين الجزائريين سيتحقق قريباً جداً.
الأرقام رسمت الطريق، والإنجاز ينتظر الخطوة الأخيرة!


