إنصاف الفيفا للحكم مصطفى غربال

أكدت لجنة التحكيم في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ثقتها بالحكم الجزائري مصطفى غربال، بإدراجه ضمن القائمة الرسمية للحكام المشاركين في كأس العالم للأندية.

هذا القرار جاء كتأكيد على كفاءة غربال وتميزه في الاستحقاقات الدولية، رغم موجة الانتقادات التي طالت أداءه في مباراة محلية بين أولمبي أقبو ومولودية الجزائر. قرار الفيفا يعكس تقديرًا لمسيرته المميزة، ويضعه كأحد أبرز سفراء التحكيم الجزائري على الساحة العالمية.

يعيش التحكيم الجزائري هذه الأيام مفارقة صارخة بين الاعتراف الدولي والجدل المحلي، حيث اختارت لجنة التحكيم التابعة للفيفا الحكم الجزائري مصطفى غربال للمشاركة في كأس العالم للأندية، وهو القرار الذي جاء في توقيت بالغ الحساسية، إذ لا يزال غربال يواجه موجة انتقادات حادة بسبب أدائه في مباراة أولمبي أقبو ومولودية الجزائر التي شهدت عدة قرارات مثيرة للجدل.

هذا التعيين الدولي للحكم الجزائري يطرح العديد من التساؤلات حول أسباب هذه الفجوة بين التقدير الدولي للكفاءات التحكيمية الجزائرية من ناحية، والانتقادات اللاذعة التي يتعرض لها الحكام داخل البلاد من ناحية أخرى. إن مصطفى غربال ليس أول حكم جزائري يجد نفسه في هذه المفارقة، فقد سبقه العديد من الزملاء الذين لاقوا تقديراً دولياً بينما تعرضوا للنقد الشديد داخل الوطن، مما يؤكد أن المشكلة بنيوية وتتعلق بمنظومة التحكيم ككل وليس بالأفراد.

لقد تصاعد الجدل حول أداء غربال إلى درجة أن اللاعب السابق بن شيخ طالب عبر قناة الهداف بإخطار الفيفا بما وصفه بأخطاء تحكيمية فادحة أثرت على نتيجة المباراة، ودعا إلى استبعاد الحكم من النشاط الدولي. هذا الموقف وإن كان يعبر عن غضب مشروع لطرف شعر بالظلم، إلا أنه يطرح إشكالية منهجية في كيفية تعاملنا مع الأخطاء التحكيمية، حيث يتحول النقاش الفني في كثير من الأحيان إلى هجمات شخصية وتشهير يمس بسمعة التحكيم الجزائري ككل.

إن الواقع يؤكد أن غربال ارتكب أخطاءً في تلك المباراة، وهذا أمر لا يمكن إنكاره، لكنه في المقابل حكم دولي معترف به وأدار العديد من المباريات المهمة بنجاح، مما يجعل الدعوة إلى استبعاده دولياً رد فعل مبالغاً فيه وغير مهني. كما أن بن شيخ، بصفته لاعبا سابقا للمولودية، لا يمكن اعتباره طرفا محايدا في هذه القضية، وكان الأولى به تقديم نقد موضوعي بدلا من التحريض ضد الحكم.

المشكلة الأعمق تكمن في تحول النقاش حول التحكيم في بعض المنابر الإعلامية إلى خطاب جهوي يغذي الانقسام بدلا من أن يساهم في تطوير الأداء التحكيمي. لقد أصبحت الأخطاء التحكيمية في الدوري الجزائري مادة دسمة للصراعات الجهوية والإعلامية، بينما يتم التغاضي عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الأخطاء، والتي تتمثل أساسا في غياب الوسائل التكنولوجية المساعدة مثل تقنية الفار، ونقص التكوين الجيد للحكام، وعدم وجود آليات واضحة للمحاسبة والشفافية.

إن أزمة التحكيم في الجزائر هي في الحقيقة أزمة منظومة كاملة تفتقر إلى الأدوات والإمكانيات والآليات الضرورية. كيف يمكننا أن نطالب الحكام بأداء دقيق في غياب تقنية الفار في معظم المباريات؟ كيف نتوقع قرارات صائبة عندما تكون أغلب ملاعبنا غير مجهزة بالكاميرات والمعدات اللازمة؟ كيف نريد لحكامنا أن يكونوا على المستوى الدولي عندما يكون التكوين القاعدي ضعيفا وغير مستمر؟

الحل يبدأ بالاعتراف بأن المشكلة ليست في الأفراد ولكن في المنظومة التي يعملون في إطارها. نحتاج إلى إصلاح حقيقي يبدأ بتعميم تقنية الفار في جميع المباريات الرسمية، وتجهيز الملاعب بالبنية التحتية اللازمة، وتطوير برامج التكوين المستمر للحكام، وإرساء مبادئ الشفافية في اختيار الحكام للمباريات الحساسة، وحماية الحكام من الضغوط الإعلامية والجماهيرية المبالغ فيها.

إن تعيين مصطفى غربال في كأس العالم للأندية يجب أن يكون فرصة لإعادة النظر في منظومة التحكيم الجزائرية برمتها، بدلا من أن يتحول إلى موضوع للصراع والاتهامات. إنه رسالة واضحة من المجتمع الدولي تؤكد أن لدينا كفاءات تحكيمية قادرة على المنافسة عالميا، لكن هذه الكفاءات تعمل في بيئة محلية غير مواتية. السؤال الآن: هل سنستغل هذه الرسالة للإصلاح، أم سنستمر في حلقات الجدل العقيم التي لا تنتج سوى المزيد من التدهور في مستوى التحكيم؟

الاعتراف بالمشكلة هو أول خطوات الحل، لكنه ليس كافيا لوحده. نحتاج إلى إرادة حقيقية للإصلاح، وإلى وقفة صادقة مع الذات، بعيدا عن الصراعات الجهوية والمصالح الضيقة. فقط حينها يمكننا أن نبني منظومة تحكيمية عادلة ومحترفة، تكون قادرة على إنتاج حكام على مستوى التحديات، ليس فقط في المحافل الدولية، ولكن أولا وأخيرا في ملاعبنا المحلية.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *