انتخابات الفيفا المرتقبة: صراع النفوذ والتوازنات الجديدة في الكاف

تشهد القاهرة يوم الأربعاء المقبل الموافق 12 مارس 2025 حدثاً بالغ الأهمية في عالم كرة القدم الإفريقية، حيث ستجرى انتخابات عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عن القارة السمراء، في ظل صراع محتدم بين مختلف الأجنحة داخل الاتحاد الإفريقي (الكاف).

يشهد المشهد الانتخابي استقطاباً حاداً بين معسكرين رئيسيين: الأول بقيادة رئيس الكاف الحالي، الجنوب إفريقي باتريس موتسيبي، والثاني بزعامة النافذ المغربي فوزي لقجع، نائب رئيس الكاف والطامح لتعزيز نفوذه في الهرم الكروي الإفريقي.

وفي هذا السياق، برزت تحركات دبلوماسية مكثفة في الأيام الماضية، كان أبرزها “بروتوكول نواكشوط” الذي تم التفاوض عليه خلال افتتاح أكاديمية الفيفا بالعاصمة الموريتانية، حيث تم طرح اتفاق يقضي بانسحاب عدد من المرشحين لصالح الثلاثي: المغربي فوزي لقجع، والموريتاني أحمد ولد يحيى، والمصري هاني أبو ريدة، مع دعم القُمرية كينزات إبراهيم والإيفواري ياسين إدريس ديالو.

أحدثت التعديلات التي أُقرت في اجتماعات أديس أبابا تغييراً جذرياً في قواعد اللعبة، حيث تم إلغاء نظام التوزيع اللغوي في انتخابات الفيفا، مما فتح المجال أمام 13 مرشحاً للتنافس على 6 مقاعد وفق معايير موحدة. هذا التعديل خلط أوراق المتنافسين وألهب معركة الكواليس، حيث أصبح بالإمكان تشكيل تحالفات واسعة للتأثير على نتائج الانتخابات.

برز السنغالي أوغوستين سنغور، نائب رئيس الكاف، كأحد أبرز المتضررين من التفاهمات الجارية، خاصة بعدما طُلب منه التنحي لصالح التحالف الذي يقوده لقجع. ووفقاً لوسائل إعلام سنغالية، فإن ممثل الفيفا المكلف بالاتحادات الإفريقية، عرض عليه الانسحاب، الأمر الذي اعتبره سنغور تدخلاً سافراً في العملية الانتخابية.

ولم يقف سنغور مكتوف الأيدي، بل بدأ في حشد تحالف مضاد لضمان فوزه، معتمداً على دعم دول منطقة WAFU A، في وقت تتصارع فيه عدة شخصيات على أصوات منطقة WAFU B، مثل النيجيري أماجو بينيك “بيلي” والإيفواري ياسين إدريس ديالو.

في خضم هذه التجاذبات، برزت مجموعتان إقليميتان قويتان تسعيان إلى إعادة تشكيل موازين القوى داخل الكاف: مجموعة سيكافا (تضم اتحادات شرق إفريقيا) ومجموعة كوسافا (تضم اتحادات جنوب إفريقيا).

تملك هاتان المجموعتان مجتمعتين 24 صوتاً، أي ما يعادل 45% من إجمالي أصوات القارة، مما يجعلهما رقماً صعباً في المعادلة الانتخابية. وتدعمان مرشحيهما لعضوية الفيفا: الجيبوتي سليمان وابيري والزامبي أندرو كامنغا، فضلاً عن وقوفهما بقوة خلف رئيس الكاف الحالي باتريس موتسيبي.

تسعى الكتلة الناطقة بالإنجليزية إلى تقليص نفوذ فوزي لقجع داخل الكاف، ويتحدث بعضهم عن “مواجهة النفوذ العربي المتزايد”. وبما أن هذه الكتلة متحالفة مع موتسيبي الذي يريد استرجاع زمام المبادرة، فإنها تدعم ممثليها في الانتخابات وتضغط لإعادة توزيع مراكز القوى داخل المنظمة القارية.

إلى جانب انتخابات الفيفا، ستشهد الجمعية العمومية تغييراً في تركيبة المكتب التنفيذي للكاف المكون من 23 عضواً إضافة إلى الرئيس. وقد تم حسم 5 مقاعد بالتزكية، من بينها مقعد الجزائري وليد صادي.

وفي مفاجأة غير متوقعة، فاز الكاميروني صامويل إيتو بقضيته أمام محكمة التحكيم الرياضية، مما أعاد له الحق في المنافسة على مقعد وسط إفريقيا في عضوية الكاف، الأمر الذي أعاد خلط الحسابات من جديد.

في ظل هذه التوازنات المعقدة، يبقى السؤال مطروحاً حول الموقف الذي ستتخذه الجزائر من هذه المعركة الانتخابية. ورغم صعوبة التكهن بالتوجه الرسمي للاتحاد الجزائري، إلا أن المؤشرات تشير إلى احتمال وقوفه مع المعسكر الذي يقوده موتسيبي والكتلة الأنغلوفونية، لاسيما في ظل العلاقات المتوترة بين الجزائر والمغرب.

كما أن غياب وليد صادي عن اجتماعات نواكشوط وتزكيته مباشرة لعضوية المكتب التنفيذي للكاف قد يشير إلى موقف محدد سلفاً من هذه الانتخابات المصيرية.

مع اقتراب موعد الانتخابات، يشتد الصراع في ظل هذه التحالفات المتشابكة، حيث تتزايد الضغوط والمناورات حول خريطة النفوذ داخل الكاف.

والسؤال المطروح: هل سيتمكن جناح موتسيبي، مدعوماً بتحالف سيكافا وكوسافا، من استعادة السيطرة على الاتحاد؟ وهل ينجح سنغور في قلب الطاولة على التحالف الثلاثي العربي؟ أم أن لقجع وحلفاءه سيحافظون على نفوذهم المتنامي في الهرم الكروي الإفريقي؟

الإجابة ستتضح يوم الأربعاء المقبل في القاهرة، في انتخابات ستعيد رسم خريطة النفوذ والتأثير في كرة القدم الإفريقية لسنوات قادمة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *