زلزال في لجنة حكام الكاف.. تغييرات جذرية وصراعات خفية قبل كأس أمم أفريقيا

في خضم التحضيرات لكأس أمم أفريقيا 2025 بالمغرب، شهدت لجنة الحكام التابعة للاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف) هزة عنيفة تمثلت في تغييرات جذرية طالت قياداتها وتشكيلتها، وسط صراعات خفية على النفوذ وتدخلات من الأمانة العامة للكاف. الإقالات والتعيينات الجديدة تكشف عن أزمات داخلية عميقة، ومحاولات للسيطرة على أهم لجنة في الكاف قبل أكبر استحقاق قاري.

في قرار صادم، أقدم المكتب التنفيذي للكاف على إقالة الإيفواري دوي نومانديز، مدير التطوير بلجنة الحكام، بعد ثلاث سنوات من شغله لهذا المنصب الحساس. الإقالة جاءت عقب سلسلة من الشكاوى المتعلقة بتراجع مستوى الأداء التحكيمي خلال الأشهر الأخيرة، في إشارة واضحة إلى عدم رضا المكتب التنفيذي عن إدارة الملف التحكيمي.

نومانديز، الذي كان يُعتبر أحد أبرز الوجوه في منظومة التحكيم الأفريقية، وجد نفسه خارج اللعبة فجأة، في قرار يُقال إنه جاء بضغوط من عدة أطراف داخل الكاف، غير راضية عن تعاملاته وقراراته. وقد نظّمت عناصر التحكيم لقاءً توديعياً له خلال المعسكر الإعدادي في كينيا، في مشهد يعكس نهاية مفاجئة لمسيرة كان يُعتقد أنها ستستمر لسنوات أخرى.

هذه الإقالة فتحت الباب أمام صراع محموم على من سيخلف نومانديز في هذا المنصب الحيوي، في ظل تدخلات مباشرة من الأمانة العامة للكاف، كما سنرى لاحقاً.

بالتزامن مع إقالة نومانديز، شهدت لجنة الحكام حدثاً آخر لا يقل غرابة: ترحيل البنيني هيوز آلان أدجوي، رئيس لجنة الحكام، من كينيا حيث كان يُشرف على المعسكر التدريبي للحكام. الأسباب الرسمية لم تُكشف بالكامل، لكن مصادر داخل الكاف تحدثت عن مشاكل داخلية كبيرة مع الجنوب أفريقي فيكتور غوميز، نائب رئيس اللجنة.

غوميز، الحكم الدولي الشهير والمثير للجدل، يُقال إنه طالب بـكامل الصلاحيات لتشكيل اللجنة بنفسه، في خطوة رأى فيها البعض محاولة للاستفراد بالقرار وتهميش رئيس اللجنة أدجوي. هذا الصراع على النفوذ أدى إلى أزمة تحكيمية عاصفة داخل الكاف، دفعت المكتب التنفيذي للتدخل سريعاً لتهدئة الأوضاع.

ترحيل أدجوي من كينيا، رغم أنه لا يزال رسمياً رئيساً للجنة، يُفسره البعض كـرسالة واضحة بأن أيامه في هذا المنصب باتت معدودة، وأن تغييراً جذرياً في القيادة بات وشيكاً.

في خضم هذه الأزمات، تدخل شخصياً الأمين العام للكاف الكونغولي فيرون أومبا في محاولة لفرض مواطنه أوليفييه سفاري كابيني كرئيس جديد للجنة التحكيم. أومبا، الذي يملك نفوذاً كبيراً داخل أروقة الكاف، رأى في هذا التعيين فرصة لـالتحكم في مقاليد الأمور في لجنة التحكيم الأفريقية، خاصة مع قرب المنافسات الكبرى.

لكن هذه المحاولة اصطدمت بـمعارضة قوية من أعضاء بارزين في المكتب التنفيذي، الذين رفضوا ما اعتبروه “محاباة قومية” و”تدخلاً غير مقبول” في استقلالية لجنة الحكام. التدخلات الحاسمة من هؤلاء الأعضاء حالت دون تعيين كابيني رئيساً، على الأقل في الوقت الحالي.

مصادر مطلعة تحدثت عن أن أومبا حاول استخدام نفوذه لفرض كابيني، معتمداً على علاقاته الوطيدة مع رئيس الكاف باتريس موتسيبي، لكن معارضة قوية من ممثلي شمال أفريقيا وغرب القارة أفشلت الخطة. النتيجة كانت حلاً وسطاً مؤقتاً: الإبقاء على التشكيل الحالي حتى نهاية كأس أمم أفريقيا، مع تأجيل التغييرات الجذرية إلى ما بعد البطولة.

رغم كل هذه الصراعات، أعلن الكاف عن التشكيل الجديد للجنة الحكام، الذي يضم مزيجاً من الوجوه القديمة وبعض الإضافات الجديدة:

القيادة:

  • الرئيس: في الوقت الراهن، لا يزال هيوز آلان أدجوي (بنين) رسمياً في المنصب، لكن مستقبله غير مضمون.
  • نائب الرئيس: فيكتور غوميز (جنوب أفريقيا) – الشخصية الأكثر جدلاً في اللجنة.

الأعضاء:

  • لمغيفري بوشعب (موريتانيا) – ممثل غرب أفريقيا (UFOA-A)، أول حكم موريتاني يدخل اللجنة القارية منذ فترة طويلة.
  • فاتو جاي (السنغال) – حضور نسائي بارز.
  • دومبويا أبو بكر (غينيا).
  • علي محمد أحمد (الصومال) – يُرجح أن يكون المدير الجديد للتطوير خلفاً لنومانديز.
  • تيسفانيش وريتا (إثيوبيا) – حكمة نسائية.
  • جمال حيمودي (الجزائر) – الممثل الجزائري الوحيد في اللجنة.
  • يحيى حدقة (المغرب) – كان هناك جدل حول استمراره، لكنه بقي في التشكيلة.
  • أوليفييه سفاري كابيني (جمهورية الكونغو الديمقراطية) – المرشح الذي حاول أومبا فرضه رئيساً، بقي عضواً.
  • كابينلوزايا رينيه دانيال (الكونغو).
  • إيناسيو كانديدو (أنغولا).
  • جاني سيكازوي (زامبيا) – حكم دولي شهير.
  • ليديا تافيسا (إثيوبيا) – حكمة نسائية أخرى.

هذا التشكيل يعكس توازناً إقليمياً بين مختلف مناطق القارة، لكنه يُخفي صراعات خفية على النفوذ، خاصة بين منطقة شمال أفريقيا (ممثلة بحيمودي وحدقة) وبقية المناطق.

وجود يحيى حدقة (المغرب) وجمال حيمودي (الجزائر) في التشكيلة الجديدة كان محل جدل كبير، خاصة أن هناك من طالب باستبدالهما بأسماء جديدة. من بين المرشحين البديلين:

  • رضوان جيد (المغرب).
  • مهدي عبيد (الجزائر).
  • عصام عبد الفتاح وجهاد جريشة (مصر).

لكن في النهاية، حافظ حدقة وحيمودي على مقعديهما، في قرار يُفسَّر بأنه جاء لضمان الاستقرار قبل كأس أمم أفريقيا، وتجنب خلق صراعات إضافية في وقت حساس. لكن مصادر داخل الكاف تؤكد أن إعادة تقييم شاملة للجنة ستحدث بعد البطولة، وقد تشهد تغييرات واسعة.

واحدة من أبرز الإضافات في التشكيل الجديد هو الموريتاني لمغيفري بوشعب، ممثل منطقة غرب أفريقيا (UFOA-A). هذا التعيين يُعتبر حدثاً تاريخياً، إذ يُمثل أول حكم موريتاني يدخل اللجنة القارية للحكام منذ فترة طويلة جداً.

وجود بوشعب يعكس اعترافاً متزايداً بـتطور التحكيم الموريتاني في السنوات الأخيرة، خاصة بعد الأداء المميز للحكم دحان بيدا الذي نال إشادة واسعة من الاتحاد الدولي (فيفا). هذا الحضور الموريتاني يُعزز تمثيل منطقة غرب أفريقيا، ويعطي فرصة لأصوات جديدة داخل اللجنة.

التشكيلة الجديدة تضم ثلاث حكمات نسائيات بارزات:

  • فاتو جاي (السنغال).
  • تيسفانيش وريتا (إثيوبيا).
  • ليديا تافيسا (إثيوبيا).

هذا الحضور النسائي القوي يعكس التزام الكاف بتمكين المرأة في التحكيم الأفريقي، في خطوة تتماشى مع التوجهات الدولية. وجود حكمات في أعلى لجنة تحكيمية بالقارة يُرسل رسالة إيجابية، ويفتح المجال أمام جيل جديد من الحكمات للصعود.

التشكيل الجديد جاء تطبيقاً للمادة 8 من اللوائح التي تحكم تطبيق النظام الأساسي للكاف، والتي تنص على تشكيل اللجنة من:

  • الرئيس.
  • نائب الرئيس.
  • عدد من الأعضاء يتم ترشيحهم من جانب المكتب التنفيذي للاتحاد.

هذه المادة تمنح المكتب التنفيذي سلطة كاملة في تشكيل اللجنة، مما يفسر قدرته على إقالة نومانديز وترحيل أدجوي ومحاولة فرض كابيني. لكنها أيضاً تفتح المجال أمام تدخلات سياسية من قبل الأمانة العامة أو أعضاء نافذين في المكتب التنفيذي.

المكتب التنفيذي للكاف قرر الإبقاء على التشكيل الحالي (مع التعديلات المذكورة) حتى نهاية كأس أمم أفريقيا 2025 في المغرب (21 ديسمبر 2025 – 18 يناير 2026). هذا القرار جاء لتجنب خلق بلبلة إضافية في وقت حساس قبل أكبر استحقاق قاري.

لكن مصادر داخل الكاف تؤكد أن تغييرات جذرية ستحدث بعد البطولة، تشمل:

  • تعيين رئيس جديد (قد يكون كابيني أو أحمد الصومالي أو شخصية أخرى).
  • تعيين مدير تطوير جديد خلفاً لنومانديز (يُرجح أن يكون الصومالي علي محمد أحمد).
  • إعادة تقييم شاملة لأداء جميع الأعضاء، وقد يشهد ذلك خروج بعض الأسماء ودخول أخرى جديدة.

كأس أمم أفريقيا بالمغرب ستكون اختباراً حقيقياً للجنة الحالية. إذا سارت الأمور بشكل جيد، قد تحتفظ بعض الوجوه بمقاعدها. أما إذا تكررت الأخطاء التحكيمية والجدل، فإن تغييراً شاملاً سيكون حتمياً.

لجنة حكام الكاف تمر بـأزمة حقيقية، تتمثل في صراعات على النفوذ، تدخلات سياسية، إقالات مفاجئة، ومحاولات لفرض أشخاص بعينهم. إقالة نومانديز، ترحيل أدجوي، محاولة أومبا فرض كابيني، وطلبات غوميز بالصلاحيات الكاملة، كلها مؤشرات على أن اللجنة ليست مستقرة.

التشكيل الجديد، رغم احتوائه على أسماء محترمة مثل حيمودي، حدقة، سيكازوي، وبوشعب، يبقى حلاً مؤقتاً حتى نهاية كأس أمم أفريقيا. ما سيحدث بعد ذلك سيعتمد على الأداء التحكيمي في البطولة، وعلى نتائج الصراعات الخفية داخل أروقة الكاف.