عمورة ثاني أصغر لاعب يصل لـ18 هدفاً دولياً

في ليلة تاريخية على ملعب الراحل حسين آيت أحمد بتيزي وزو، لم يكتفِ محمد الأمين عمورة بقيادة الجزائر للفوز على أوغندا، بل أضاف إلى سجله الشخصي إنجازاً تاريخياً جديداً يضعه في مصاف أساطير الكرة الجزائرية. بوصوله إلى الهدف الدولي رقم 18 في مسيرته مع الخضر، أصبح عمورة ثاني أصغر لاعب جزائري يحقق هذا الإنجاز، متفوقاً على أسماء عملاقة مثل رابح ماجر، جمال مناد، عبد الحفيظ تاسفاوت، وحتى إسلام سليماني. لم يسبقه في هذا السباق سوى الأسطورة لخضر بلومي، الذي وصل لنفس الرقم في سن أصغر قليلاً.

عندما نتحدث عن الوصول المبكر لـ18 هدفاً دولياً، فإننا نتحدث عن موهبة استثنائية وقدرة نادرة على التسجيل في سن مبكرة على المستوى الدولي. في تاريخ الكرة الجزائرية الممتد لعقود، استطاع لاعب واحد فقط تحقيق هذا الإنجاز قبل بلوغ 24 عاماً: لخضر بلومي.

بلومي وصل إلى هدفه الدولي الـ18 في سن 23 عاماً و5 أشهر فقط، في المباراة الأسطورية التي جمعت الجزائر بألمانيا الغربية في جوان 1982 خلال مونديال إسبانيا. تلك المباراة التي انتهت بفوز تاريخي 2-1 للخضر على بطلة العالم ثلاث مرات، كانت محطة فارقة في مسيرة بلومي، الذي أصبح رمزاً للجيل الذهبي الجزائري.

الآن، وبعد 43 عاماً من ذلك الإنجاز، يظهر محمد الأمين عمورة ليُحطم جميع الأرقام باستثناء رقم بلومي. وصل عمورة إلى هدفه الدولي الـ18 في سن 25 عاماً و6 أشهر، في مباراة الجزائر وأوغندا في أكتوبر 2025 على ملعب تيزي وزو. الفارق بينه وبين بلومي هو سنتان وشهر واحد فقط، وهو فارق ضئيل نسبياً يضع عمورة في المرتبة الثانية تاريخياً.

لكن السياق مختلف تماماً. بلومي حقق إنجازه في عصر الكرة الكلاسيكية، حيث كانت المنافسة الدولية أقل كثافة، والمباريات الدولية أقل عدداً. عمورة يُحقق إنجازه في عصر الاحتراف الكامل، مع منافسة أشرس، ومستوى فني أعلى، ومباريات أكثر تنظيماً وصعوبة. هذا يجعل إنجاز عمورة مُعادلاً – إن لم يكن متفوقاً – لإنجاز بلومي من حيث القيمة الفعلية.

عندما ننظر إلى ترتيب أصغر 6 لاعبين وصلوا إلى 18 هدفاً دولياً في تاريخ الجزائر، ندرك حجم الإنجاز الذي حققه عمورة:

  1. لخضر بلومي – 23 سنة و5 أشهر (أمام ألمانيا في جوان 1982)
  2. محمد الأمين عمورة – 25 سنة و6 أشهر (أمام أوغندا في أكتوبر 2025)
  3. رابح ماجر – 26 سنة و7 أشهر (أمام زامبيا في جويلية 1985)
  4. جمال مناد – 26 سنة و11 شهر (أمام السودان في جويلية 1987)
  5. عبد الحفيظ تاسفاوت – 27 سنة و4 أشهر (أمام كينيا في جوان 1996)
  6. إسلام سليماني – 27 سنة و5 أشهر (أمام تنزانيا في نوفمبر 2015)

هذه القائمة تضم أفضل الهدافين في تاريخ المنتخب الجزائري، كل واحد منهم أسطورة بحد ذاته. لكن عمورة تفوق عليهم جميعاً – باستثناء بلومي – في سرعة الوصول إلى 18 هدفاً.

هذا التفوق ليس مصادفة، بل يعكس موهبة استثنائية ونضج مبكر جعل عمورة يصل إلى مستويات عالية في سن صغيرة نسبياً.

بوصوله إلى 18 هدفاً دولياً، التحق عمورة بـعبد الحميد صايفي (18 هدفاً أيضاً)، وأصبح يحتل المرتبة 11 في تاريخ هدافي المنتخب الجزائري.

الأمر المثير هنا هو أن عمورة لا يزال في بداية مسيرته. في سن 25 عاماً، يملك أمامه على الأقل 6-8 سنوات من اللعب الدولي بمستوى عالٍ، إذا حافظ على لياقته وتجنب الإصابات. إذا استمر بنفس المعدل التهديفي الحالي (0.51 هدف لكل مباراة)، فإنه سيحتاج لـ:

  • 4 أهداف إضافية للوصول إلى 22 هدفاً ومعادلة بونجاح وبلومي (المرتبة 4-5).
  • 10 أهداف للوصول إلى 28 هدفاً ومعادلة ماجر (المرتبة 6).
  • 13 هدفاً للوصول إلى 31 هدفاً ومعادلة زيايا (المرتبة 2).
  • 25 هدفاً لتجاوز سليماني وأن يصبح الهداف التاريخي للمنتخب الجزائري.

هذه الأرقام ليست مستحيلة على الإطلاق. إذا شارك عمورة في 50 مباراة إضافية خلال السنوات القادمة (وهو رقم واقعي جداً)، وحافظ على معدله الحالي، سيصل إلى 43 هدفاً ليُعادل سليماني. وإذا تحسن مستواه أكثر (وهو المتوقع)، فقد يتجاوز الـ50 هدفاً دولياً ويُصبح الهداف التاريخي الأول دون منازع.

أحد الجوانب المهمة لفهم حجم إنجاز عمورة هو السياق الزمني الذي تحقق فيه. اللاعبون الذين سبقوه في هذا الترتيب حققوا أرقامهم في حقب مختلفة:

بلومي، ماجر، مناد (الثمانينيات): عصر الكرة الكلاسيكية، حيث كانت المباريات الدولية أقل تنظيماً، والمنافسة الأفريقية أقل قوة نسبياً. لكن في المقابل، كانت الإمكانيات التدريبية والطبية أقل تطوراً.

تاسفاوت (التسعينيات): فترة انتقالية بين الكرة الكلاسيكية والاحترافية، مع بداية الاحتراف في أوروبا لكن بمستوى أقل من اليوم.

سليماني (2010-2015): عصر الاحتراف الكامل، لكن المنافسة الأفريقية كانت لا تزال أقل قوة من اليوم.

عمورة (2020-2025): عصر الاحتراف الشامل، مع منافسة أفريقية ودولية في أعلى مستوياتها، وتطور هائل في الجوانب التكتيكية والبدنية. تحقيق 18 هدفاً في هذا السياق يعني مواجهة دفاعات أكثر تنظيماً، وحراس أفضل تدريباً، ومنافسين أقوى بدنياً وتكتيكياً.

هذا يجعل إنجاز عمورة أكثر صعوبة من الناحية الموضوعية مقارنة بمن سبقوه، رغم أن الإمكانيات التدريبية والطبية المتاحة له اليوم أفضل.

ما يميز عمورة عن معظم من سبقوه هو النجاعة الزمنية. كما ذكرنا سابقاً، سجل عمورة 18 هدفاً في 35 مباراة دولية، منها 13 فقط كأساسي في التشكيلة. هذا يعني أن معدله التهديفي الحقيقي (بناءً على المباريات الأساسية) يقارب 1.4 هدف لكل مباراة.

لو قارنا هذا المعدل بالأساطير الآخرين في نفس المرحلة من مسيرتهم:

  • سليماني احتاج حوالي 40 مباراة للوصول إلى 18 هدفاً.
  • تاسفاوت احتاج حوالي 50 مباراة.
  • ماجر احتاج حوالي 45 مباراة.
  • بلومي احتاج حوالي 35-38 مباراة (الأقرب لعمورة).

عمورة يُحقق نفس الرقم في 35 مباراة فقط، مع العلم أنه لم يكن أساسياً في جميعها. هذا يضعه في نفس مستوى بلومي من حيث النجاعة، وربما يتفوق عليه إذا احتسبنا الدقائق الفعلية التي لعبها.

رغم كل هذه الأرقام المبهرة، يبقى السؤال الأهم: هل سيستمر عمورة في نفس الوتيرة؟ التاريخ يُعلمنا أن كثيراً من اللاعبين الذين بدأوا بقوة تعثروا في منتصف مسيرتهم بسبب الإصابات، أو فقدان الثقة، أو تراجع المستوى.

لكن عمورة يملك عدة عوامل تُرجح استمراره:

العمر: في 25 عاماً، لا يزال في ذروة شبابه الكروي، ولم يصل بعد لذروته المطلقة (عادة 27-30 عاماً).

الاحترافية: لعبه في البوندسليغا مع فولفسبورغ يضمن تطوراً مستمراً في مستواه.

الاستقرار البدني: حتى الآن، لم يُعانِ من إصابات خطيرة متكررة.

الثقة: الأرقام التي يُحققها تمنحه ثقة هائلة، وتجعل الجهاز الفني يعتمد عليه كخيار أول.

البيئة الإيجابية: وجود محرز، بونجاح، وآخرين يُخفف الضغط عنه ويسمح له باللعب بحرية.

إذا استمرت هذه العوامل إيجابية، فإن تحطيم الرقم القياسي لسليماني ليس حلماً بعيد المنال، بل هدف واقعي قد يتحقق خلال 4-5 سنوات.

بوصوله إلى 18 هدفاً دولياً في سن 25 عاماً و6 أشهر، أصبح محمد الأمين عمورة ثاني أصغر لاعب جزائري يُحقق هذا الإنجاز، متفوقاً على أساطير مثل ماجر، مناد، تاسفاوت، وسليماني. التحق بصايفي في المرتبة 11 تاريخياً، لكن المسيرة لم تنتهِ بعد.

الطريق أمامه مفتوح ومُشرق، والأرقام تُشير إلى أنه قادر على تحطيم جميع الأرقام القياسية إذا واصل بنفس الوتيرة. قد نكون أمام الهداف التاريخي المقبل للمنتخب الجزائري، ظاهرة كروية ستُخلّد في سجلات التاريخ إلى جانب بلومي، ماجر، وسليماني.