الجزائر/الرباط – كشفت مصادر مطلعة في تطور جديد ومثير للجدل، أن اختيار غينيا للمغرب كأرض محايدة لمواجهة الجزائر في تصفيات كأس العالم 2026 لم يكن مجرد قرار تقني، بل جاء نتيجة لعبة مصالح معقدة وعرض “لا يُرد” من فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
البداية: كوت ديفوار الخيار الأول
وفقاً للمعلومات الحصرية التي حصلت عليها مصادر موقع “الجزائر سبورت مباشر“، فإن الاتحادية الغينية لكرة القدم كانت قد قررت في البداية خوض مباراة الجزائر في دولة كوت ديفوار، وباشرت بالفعل الإجراءات الإدارية اللازمة بعد أن رفضت الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم (كاف) اعتماد ملعبها المحلي للمباريات الدولية.
هذا القرار الأولي كان منطقياً من الناحية الجغرافية والثقافية، حيث أن كوت ديفوار تتقاسم مع غينيا نفس المنطقة الجغرافية في غرب أفريقيا، مما يسهل عمليات السفر واللوجستيات للوفد الغيني. كما أن العلاقات بين البلدين الجارين تتسم بالود والتعاون في مختلف المجالات.
التدخل المغربي: عرض لا يُرد
غير أن الخطط الغينية تغيرت جذرياً عندما تدخل فوزي لقجع بعرض وُصف بأنه “لا يُرد”. رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم قدم للاتحادية الغينية عرضاً شاملاً يتضمن استضافة المباراة في الرباط، مع تحمل جميع تكاليف إقامة الوفد الغيني على حساب المغرب.
هذا العرض المغري لم يقتصر على مجرد توفير الملعب والتسهيلات الأساسية، بل امتد ليشمل تكفلاً كاملاً بتربص منتخب غينيا، مما يعني توفير الإقامة، الوجبات، وسائل النقل، والتسهيلات التدريبية، في حزمة متكاملة لا تكلف الاتحادية الغينية درهماً واحداً.
موافقة دومبويا: الأزمة المالية تحسم الأمر
الاتحادية الغينية بقيادة سوري دومبويا، الذي انتُخب رئيساً للاتحاد الوطني للعبة في مطلع شهر مايو 2025، وافقت على العرض المغربي بالنظر للأزمة المالية الحادة التي يمر بها الاتحاد الغيني. هذه الأزمة المالية، التي تفاقمت بسبب سحب تنظيم كأس أمم أفريقيا 2025 من غينيا بسبب عدم الجاهزية، جعلت العرض المغربي بمثابة طوق نجاة اقتصادي للاتحادية الغينية.
سوري دومبويا، الذي تولى رئاسة الاتحاد في ظروف صعبة، وجد نفسه أمام معادلة معقدة: إما قبول العرض المغربي والاستفادة من الدعم المالي واللوجستي، أو المضي قدماً بالخطة الأصلية في كوت ديفوار مع تحمل أعباء مالية إضافية لا تحتملها خزينة الاتحاد المنهكة.
النوايا المخفية: لعبة الشطرنج الكروية
المتابعون للشأن الكروي الأفريقي يرون أن خيارات فوزي لقجع “معلومة النوايا والمقصد”، مشيرين إلى أن الهدف الحقيقي هو التأثير على نتائج المنتخب الوطني الجزائري الذي يتصدر حالياً مجموعته برصيد 15 نقطة كاملة. هذا التحليل يكتسب مصداقية أكبر عندما نعلم أن المغرب لا ينافس في نفس مجموعة الجزائر في تصفيات كأس العالم 2026.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يهتم فوزي لقجع بمجموعة لا ينافس فيها منتخب بلاده؟ الإجابة تكمن في النظرة الاستراتيجية طويلة المدى، حيث أن الجزائر التي تواصل تحقيق النتائج الإيجابية في التصفيات بقيادة فلاديمير بيتكوفيتش ستكون خصماً مباشراً للمغرب في كأس أفريقيا 2025 التي ستستضيفها المملكة المغربية.
البُعد الاستراتيجي للمغرب
الخطة المغربية تتجاوز مجرد التأثير على مباراة واحدة. فوزي لقجع، الذي أكد أن المغرب سيُرحب بحرارة بالجماهير الجزائرية خلال نهائيات كأس أمم إفريقيا 2025، يسعى لتحقيق عدة أهداف استراتيجية من خلال هذه المناورة:
أولاً، إثبات الهيمنة المغربية على الساحة الكروية الأفريقية، حيث يظهر المغرب كقوة قادرة على حل المشاكل التنظيمية للاتحادات الأخرى وتقديم البدائل السريعة والفعالة. هذا الأمر يعزز من مكانة المغرب كلاعب محوري في القارة السمراء.
ثانياً، إرسال رسالة للكونفدرالية الأفريقية حول القدرات التنظيمية المغربية العالية، خاصة مع اقتراب موعد كأس أفريقيا 2025. النجاح في تنظيم مباراة بهذه الحساسية والأهمية سيعطي انطباعاً إيجابياً حول جاهزية المغرب لاستضافة البطولة القارية.
ثالثاً، وضع الجزائر في موقف دفاعي نفسياً، حيث أن اللعب في المغرب، حتى لو كان في مباراة “محايدة”، يخلق ضغوطاً إضافية على اللاعبين الجزائريين ويمنح غينيا ميزة نفسية قد تغير من موازين المباراة.
التحليل النقدي للمناورة
من الناحية التحليلية، تُظهر هذه المناورة مدى تعقيد السياسة في الكرة الأفريقية، حيث تتداخل الاعتبارات الفنية مع المصالح السياسية والاقتصادية. الأزمة المالية للاتحادية الغينية أصبحت أداة في يد الجهات التي تملك الإمكانيات المالية للتأثير على مجريات المسابقات الكروية.
هذا الأمر يطرح تساؤلات جدية حول مبدأ الحياد في المباريات الدولية، وما إذا كان من العدل أن تكون الأزمات المالية للاتحادات الصغيرة مدخلاً للتأثير على النتائج الرياضية. كما يُسلط الضوء على ضرورة تطوير آليات أكثر شفافية وعدالة في اختيار الملاعب البديلة للمباريات الدولية.
الحذر من المباراة
من الناحية الفنية، قد تكون هذه المناورة سلاحاً ذا حدين. فمن جهة، قد تخلق ضغوطاً إضافية على اللاعبين الجزائريين وتمنح غينيا دفعة معنوية. لكن من جهة أخرى، قد تعطي المنتخب الجزائري دافعاً إضافياً لإثبات قدرته على الفوز في أي مكان وتحت أي ظروف.
الجهاز الفني الجزائري بقيادة بيتكوفيتش مطالب بالتعامل مع هذا التطور بحكمة وذكاء، والاستفادة من الدوافع الإضافية التي قد تنتج عن هذه الظروف الاستثنائية. القدرة على تحويل التحدي إلى فرصة ستكون علامة على نضج الفريق ونضج الجهاز الفني.
خلاصة التطورات
في المحصلة، تكشف هذه التطورات عن وجه آخر للكرة الأفريقية، حيث تتداخل المصالح السياسية والاقتصادية مع النتائج الرياضية. مناورة فوزي لقجع، رغم براعتها، تطرح تساؤلات حول أخلاقيات الرياضة ومبدأ الحياد في المنافسات الدولية.
بالنسبة للجزائر، هذا التطور قد يكون فرصة لإثبات الذات وإظهار القدرة على التغلب على جميع العقبات في الطريق نحو مونديال 2026. أما بالنسبة للمغرب، فإن نجاح هذه المناورة قد يعزز من مكانته الإقليمية ويؤكد هيمنته على الساحة الكروية الأفريقية.