منطق النتائج يدير منتخب الجزائر… فهل نعيش موسم الوداع لعصر التخطيط الطويل؟

المنتخبات العالمية صاحبة التاريخ الكبير تعيش أزمة أداء ونتائج غير مسبوقة، فمنتخبات مثل ألمانيا وإيطاليا باتت تعاني من شح الجودة والخروج المتكرر منذ سنوات من أدوار مبكرة، رغم الاستثمارات الضخمة والهوية الكروية المتجذرة لكل منهما. وحتى البرازيل لم تعد تقدم أداءً مقنعًا في البطولات الأخيرة مقارنة بماضيها الذهبي، بينما إسبانيا تبقى تقريبًا الاستثناء الوحيد الذي يزاوج بين الأداء والنتائج بطريقة ثابتة في الوقت الحالي. وفي المقابل، تعجز منتخبات أفريقية قوية عن التأهل للمونديال رغم امتلاكها مواهب كروية كبيرة، فالسينغال والكاميرون ونيجيريا وغانا وكوت ديفوار مُهددة فعلاً بمغادرة التصفيات بدون إنجاز.

تشير النتائج الأخيرة إلى أن العملاقة التقليدية مثل ألمانيا وإيطاليا تعيش تراجعًا في الجودة الفنية، حيث تكرر خروجها من البطولات أمام منتخبات أقل قوة مثل سلوفاكيا، أو الانتصار بصعوبة في مباريات مثيرة كما فعلت إيطاليا بالفوز 5-4 على منافسين مغمورين في الوقت بدل الضائع. حتى البرازيل، الأكثر تتويجًا بكأس العالم، تفتقد الإقناع داخل أرض الملعب، بينما بقية المنتخبات التي تملك مراكز تكوين واحترافية تفشل غالباً في الجمع بين الأداء والنتائج إلا إسبانيا.

وبالعودة إلى الحالة الجزائرية، يتضح أن النقد الجماهيري يركز على حاجات “التجديد والتشبيب والرؤية المستقبلية” رغم أن المنتخب الجزائري نفسه استفاد من حالة نتائج إيجابية نادرة بين كبار أفريقيا. فالجماهير تبكي على الأداء، متناسين أن الجزائر احتلت قبل فترة وجيزة المركز الرابع في مجموعة ضعيفة ولم تتأهل إلا بفارق ضئيل، ما ينفي الإدعاءات عن سهولة المنافسة ويكشف هشاشة البناء الكروي المحلي.

المنتخب الجزائري تاريخياً من المنتخبات “الظرفية”، حيث غابت الاستراتيجية الواضحة أغلب الفترات، وظهرت النجاحات في مراحل مفصلية دون تخطيط مسبق، سواء في تصفيات أو البطولات الكبرى (2014، 2019، وكذلك التتويج بكأس العرب والجزائر في الشان). سلسلة الإخفاقات والتناقضات في تأهل جيل 2004-2011، إخفاقات جيل حاليلوزيتش وصولاً لتفاوت الأداء بعد التتويج الإفريقي، تؤكد توفر النتائج ظرفياً فقط لا غير.

بالنسبة للمدرب بيتكوفيتش، فقد حدد له الاتحاد الجزائري هدفين كبيرين هما التأهل إلى كأس العالم وتجاوز الدور الأول في كأس أفريقيا، مع محاسبة واضحة مرتبطة فقط بالنتائج وليس بمشروع كروي طويل الأمد. نجاحات المدرب جاءت بعد استلامه منتخبًا محبطًا ولبى هدف النتائج بالفوز في 9 من أصل 12 مباراة وخسارة واحدة رسمية، وهذه النتائج هي التي تحكم مصير المدرب ورئيس الاتحاد، وليس الرؤية بعيدة المدى أو تجديد الأسماء بشكل ثوري.

أداء المنتخبات الكبرى يظهر أن كرة القدم لم تعد تدار بالخطط وحدها بل ترتبط أيضًا بظروف المرحلة، الغياب عن بعث الأجيال الجديدة من اللاعبين الجزائريين ليس ظاهرة استثنائية والرهان على التجديد والتشبيب يصطدم بعقبات الانسجام والتأقلم مع الكرة الإفريقية، بينما يبقى منطق النتائج هو الحاسم النهائي لمصير المدربين والاتحادات. على هذا الأساس، كل مشروع كروي تكون نتائجه هي الحكم الوحيد، وجماعة “مجموعة ضعيفة” يتناسون أن النتائج مهما كانت المجموعة تتطلب عمل واتساق وظروف محيطة لا يمكن اختزالها بمقارنات تقليدية بين المنتخبات.