في مشهد مأساوي يُلخص واقع الكرة الجزائرية المرير، يعيش نادي مستقبل بلدية الرويسات أسوأ فتراته على الإطلاق، رغم تصدره لجدول ترتيب الرابطة المحترفة الأولى برصيد 6 نقاط من مباراتين. ما كان حلماً ورديّاً للنادي الذي حقق صعوداً تاريخياً للنخبة الجزائرية في مايو الماضي، تحول إلى كابوس حقيقي يهدد بزوال الفريق بالكامل، وسط أزمة مالية خانقة وصمت مطبق من السلطات المحلية التي تتجاهل نداءات الاستغاثة.
الحلم يتحول إلى كابوس في زمن قياسي
وصل الوضع إلى درجة أن اللاعبين غادروا معسكر الفريق احتجاجاً على عدم استلام مستحقاتهم المالية، مما أجبر الإدارة على إلغاء الحصص التدريبية لليوم وغداً. هذا المشهد المؤلم يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل هذا النادي الطموح الذي كان يحلم بترك بصمة قوية في أول مشاركة له في النخبة، بعدما حقق صعوداً تاريخياً إلى الرابطة المحترفة الأولى بتصدره مجموعة وسط-شرق في الرابطة الثانية.
معاناة متعددة الأوجه تضع النادي على حافة الهاوية
تتعدد مظاهر الأزمة التي يعيشها “الزرقاء” كما يحب أن يُطلق عليه جماهيره المتيمة، حيث تشمل المشاكل المالية، صعوبات التنقل، وعدم الوفاء بالوعود من قبل السلطات المحلية. فبدلاً من السفر بالطائرة كما هو معتاد في النخبة، اضطر الفريق للاعتماد على السفر بالحافلة، في مشهد يُظهر حجم المعاناة التي يكابدها هذا النادي الذي يمثل منطقة الجنوب الجزائري.
الأمر الأكثر إيلاماً هو أن الوعود السابقة بتوفير حافلة خاصة بالنادي لم يتم الوفاء بها حتى الآن، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على هذه الوعود. هذا التأخير المتعمد والصمت “العقابي” من السلطات المحلية تجاه الفريق، كما وصفته الإدارة، يضع علامات استفهام كبيرة حول مدى الجدية في دعم هذا المشروع الكروي الطموح الذي يحتفي به سكان ولاية ورقلة خصوصاً والجنوب الشرقي عموماً.
التناقض المؤلم بين النتائج والواقع
ما يزيد من حدة المأساة هو التناقض الصارخ بين النتائج الرياضية المميزة والواقع المالي المرير الذي يعيشه النادي. فبينما يتصدر مستقبل الرويسات جدول ترتيب الرابطة المحترفة الأولى برصيد مثالي (6 نقاط من مباراتين)، مؤكداً جدارته الفنية وقدرته على منافسة كبار الكرة الجزائرية، إلا أن الجانب المالي والإداري يسير في الاتجاه المعاكس تماماً.
هذا الأداء المتميز في الملعب، والذي يُظهر أن الفريق يملك العناصر والإمكانيات اللازمة لتحقيق نتائج إيجابية في أعلى مستويات الكرة الجزائرية، يجعل من تدهور الأوضاع خارج الملعب أكثر إيلاماً وصعوبة على الفهم. فكيف يمكن لنادٍ يحقق هذه النتائج الطيبة أن يعيش هذا الوضع الكارثي على المستوى المالي والإداري؟
نداء استغاثة قد يكون الأخير
في بيان مؤثر ومليء بالألم، خاطبت إدارة النادي جماهيرها قائلة: “شعب الزرقاء العظيم، الأمور لا تبشر بالخير والفريق في وضع كارثي، كارثي جداً”. هذه العبارات تحمل في طياتها يأساً حقيقياً من الوضع الراهن، ونداء استغاثة أخير قد يكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ هذا المشروع الكروي الواعد من الانهيار التام.
رغم الجهود الحثيثة التي بذلتها إدارة النادي لضمان استمرارية الفريق وتقديم أداء تنافسي يليق بطموحات النادي في البطولة المحترفة، إلا أن المشاكل المادية المستمرة تقف حائلاً أمام تحقيق هذه الأهداف النبيلة. الإدارة تؤكد أن هذه المشاكل لا تعيق تقدم نادي مستقبل الرويسات فحسب، بل تعيق تقدم أندية الجنوب عامة، مما يطرح قضية أكبر تتعلق بالتفاوت في الدعم والاهتمام بين أندية الشمال والجنوب.
مستقبل مجهول ينتظر تدخلاً عاجلاً
مع استمرار هذا الوضع الكارثي، يبدو مستقبل النادي مجهولاً تماماً، خاصة وأن الإدارة تحذر صراحة من أن هذه المشاكل “ستؤدي حتماً إلى زوال الفريق والطموح ككل”. هذا التحذير الصريح والمباشر يضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية لإنقاذ هذا النادي الذي يحمل آمال منطقة بأكملها.
النادي الذي صعد للرابطة المحترفة الأولى بعد تفوقه على اتحاد الشاوية 4-2 في الجولة الثلاثين والأخيرة، يحتاج الآن لتدخل عاجل وحاسم من جميع الأطراف المعنية، سواء السلطات المحلية أو الولائية أو حتى المركزية، لضمان استمراريته وعدم ضياع هذا الإنجاز التاريخي الذي تحقق بعد سنوات من النضال والكفاح.
الوضع الحالي لمستقبل الرويسات يُلخص مأساة الكرة الجزائرية بشكل عام، حيث تتصادم الطموحات الرياضية مع الواقع المالي الصعب، وحيث تغيب الرؤية الاستراتيجية الواضحة لدعم الأندية وضمان استمراريتها. ما يحدث مع هذا النادي قد يتكرر مع أندية أخرى إذا لم تُتخذ إجراءات جذرية لمعالجة هذه المشاكل المزمنة.