في أكتوبر 2023، أطلقت صحيفة الغارديان البريطانية العريقة قائمة استثنائية تضم أفضل 60 موهبة كروية في العالم من مواليد 2006، وكان من بين هذه الأسماء اللامعة اسم جزائري واحد جذب أنظار الخبراء العالميين: مسلم أناتوف. وصفت الصحيفة البريطانية العريقة اللاعب بأنه “الأذكى من بين أقرانه في اغتنام الفرص التهديفية والتسجيل داخل منطقة الجزاء”، مضيفة أنه “رغم أنه ليس الأقوى أو الأطول، إلا أنه بارع في التواجد في المكان المناسب في الوقت المناسب”.
الموهبة التي أبهرت العالم قبل أن تختفي في الظلام
هذا الاعتراف العالمي لم يأتِ من فراغ، فالموهبة الجزائرية البالغة من العمر 19 عاماً كانت قد خطفت الأضواء بأدائها الاستثنائي مع المنتخبات الشبانية للخضر. فاز أناتوف بجائزة أفضل لاعب في كأس العرب 2022 تحت 17 عاماً بعد أن سجل هدفين في ست مباريات وقاد المنتخب للفوز بالبطولة، مما جعله محط أنظار الأندية الأوروبية التي بدأت تتسابق لضمه لفرق الرديف.
الإصابة القاسية التي أوقفت الحلم مؤقتاً
لكن القدر كان له رأي آخر، حيث تعرض نجم مولودية الجزائر الصاعد لإصابة قاسية غيّرت مجرى حياته الكروية تماماً. تعرض المهاجم أناتوف لإصابة خطيرة في الركبة وتمزق الأربطة الصليبية تحديداً، مما أدى إلى إجرائه عملية جراحية وانتهاء موسمه مبكراً. هذه الإصابة المدمرة أبعدت اللاعب عن الملاعب لقرابة سنة كاملة، وجعلته يختفي عن الأنظار تماماً بعد أن كان الأكثر توهجاً في جيله.
عاد أخيراً اللاعب الدولي الجزائري الشاب مسلم أناتوف لتدريبات فريقه مولودية الجزائر بعد قرابة سنة واحدة من ابتعاده عن الميادين. الفترة الطويلة من الغياب كانت بمثابة اختبار حقيقي لعزيمة هذا الشاب الطموح، الذي رفض أن تكسر الإصابة أحلامه وواصل العمل الجاد للعودة أقوى من السابق.
العودة المنتظرة والتحدي الأكبر
بعد رحلة طويلة من التأهيل والعلاج الطبيعي، عاد مسلم أناتوف أخيراً للواجهة بمشاركته الأولى مع الفريق الأول للمولودية في التعادل السلبي 0-0 أمام اتحاد العاصمة، حيث دخل كبديل في مشهد يحمل رمزية كبيرة لعودة الموهبة المفقودة. هذه العودة تحمل في طياتها تحدياً أكبر من كل ما واجهه من قبل، فاللاعب الذي كان مرشحاً لتدعيم هجوم الأهلي المصري والذي اختارته صحيفة الغارديان كواحد من أفضل المواهب في العالم، عليه الآن أن يثبت أن الإصابة لم تُؤثر على قدراته الاستثنائية.
التحدي الحالي أصعب بكثير من مجرد العودة للملاعب، فأناتوف يواجه الآن ضغط إثبات أنه لا يزال اللاعب نفسه الذي أبهر الخبراء الأوروبيين قبل الإصابة. عليه أن يعيد بناء ثقة الجماهير والمدربين، وأن يتنافس مع لاعبين استمروا في التطور بينما كان هو بعيداً عن الملاعب. هذا التحدي النفسي والجسدي يتطلب قوة عقلية استثنائية وإصراراً لا يعرف المستحيل.
رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة
الطريق أمام مسلم أناتوف طويل وشاق، لكن التاريخ يخبرنا أن أعظم اللاعبين هم الذين تمكنوا من النهوض من تحت الركام والعودة أقوى من السابق. اللاعب المولود في تندوف عام 2006، والذي بدأ مسيرته في أكاديمية تندوف قبل انضمامه لأكاديمية سيدي بلعباس في 2021، يملك من الموهبة والعزيمة ما يكفي لكتابة قصة نجاح جديدة.
العودة للفريق الأول في مولودية الجزائر تمثل بداية فصل جديد في مسيرة هذا اللاعب الاستثنائي. الأندية الأوروبية التي كانت تتسابق لضمه قبل الإصابة ستراقب عن كثب أداءه في الفترة المقبلة، وكل مباراة ستكون بمثابة امتحان جديد لإثبات أن الماس الجزائري لم يفقد بريقه رغم محنة الإصابة القاسية.
مسلم أناتوف يعرف جيداً أن الطريق نحو استعادة مكانته كواحد من أفضل المواهب العالمية لن يكون سهلاً، لكن الثقة في قدراته والدعم من إدارة مولودية الجزائر والجماهير الجزائرية ستكون عوامل حاسمة في رحلة العودة للقمة. التحدي الحالي قد يكون الأصعب في مسيرته، لكنه أيضاً الفرصة الذهبية لإثبات أن الموهبة الحقيقية لا تموت، بل تعود أقوى وأكثر نضجاً.