يُواجه المنتخب الوطني الجزائري تحدياً كبيراً في منصب حراسة المرمى منذ اعتزال الأسطورة رايس مبولحي، حيث لم يتمكن المدرب السويسري فلاديمير بيتكوفيتش من العثور على حارس أساسي مستقر يمكنه ملء الفراغ الذي تركه الحارس المخضرم. هذه الأزمة تلقي بظلالها الثقيلة على طموحات المنتخب الوطني في المحافل القارية والدولية، خاصة مع اقتراب مواعيد مهمة مثل كأس الأمم الأفريقية 2025 وتصفيات كأس العالم 2026.
واقع مؤلم لحراس المنتخب الحاليين
يعتمد بيتكوفيتش حالياً على مجموعة من الحراس الذين لم يحققوا الإجماع المطلوب من الجماهير الجزائرية والخبراء التقنيين. تتكون القائمة الحالية من ألكسيس قندوز (نادي بيسيبوليس الإيراني)، أسامة بن بوط (اتحاد الجزائر)، وزكريا بوحلفاية، بالإضافة إلى أنتوني ماندريا الذي يواجه صعوبات كبيرة مع ناديه في فرنسا.
ماندريا، الذي كان يُعتبر الخيار الأول لفترة طويلة، يعيش حالياً أزمة حقيقية مع ناديه، حيث فقد مكانته الأساسية وبات يجلس على دكة البدلاء في معظم المباريات. هذا الوضع أثر سلباً على مستواه مع المنتخب الوطني، مما دفع بيتكوفيتش للبحث عن بدائل أخرى قد تكون أكثر استقراراً واستعداداً للمهام الكبيرة المقبلة.
من جانبه، أليكسيس قندوز لفت الأنظار بأدائه الرائع، مما أكسبه لقب “رجل المباراة” خلال مواجهة الجزائر وتوغو، لكن مستواه لا يزال غير مستقر بما يكفي ليكون الحارس الأساسي الذي يُعول عليه في المباريات المصيرية. كما أن عدم الاستقرار في ناديه يؤثر على ثقته وجاهزيته التقنية والذهنية للمهام الدولية.
تيدي بولهندي: الأمل الضائع في نيس
يبرز اسم تيدي بولهندي كواحد من أكثر الحالات إثارة للجدل في تاريخ حراس المرمى الجزائريين الشباب. بولهندي يعتبر الحارس الأول لمنتخب الجزائر تحت 23 عاماً، ويحمل شارة القيادة فيه، كما يُصنف بين المرشحين لخلافة المخضرم رايس مبولحي في حراسة مرمى المنتخب الأول. هذا التصنيف جعل الجماهير الجزائرية تُعلق عليه آمالاً كبيرة باعتباره الحل المنتظر لمشكلة حراسة المرمى.
الحارس البالغ من العمر 24 عاماً انضم لصفوف نادي نيس الفرنسي بتوقعات عالية وطموحات كبيرة، حيث اتفق مع إدارة النادي على إمضاء عقد جديد ينقضي في صيف 2025. كانت هذه الخطوة تُعتبر بداية موفقة لمسيرة دولية واعدة، خاصة أن النادي الفرنسي يلعب في الدرجة الأولى ويشارك في البطولات الأوروبية أحياناً، مما يوفر له منصة مثالية لإظهار مهاراته وقدراته.
لكن الواقع كان مختلفاً تماماً عما كان متوقعاً، حيث ظل بولهندي خياراً ثانوياً أو حتى ثالثياً في تشكيلة نيس منذ وصوله. لم يحصل على الفرص الكافية للعب مباريات رسمية مع الفريق الأول، مما أثر سلباً على تطوره التقني واكتسابه الخبرة المطلوبة للانتقال للمستوى التالي مع المنتخب الوطني.
المشاركات المحدودة والفرص الضائعة
خلال فترة التحضيرات الصيفية الأخيرة، حصل بولهندي على فرصة نادرة للعب 90 دقيقة كاملة في مباراة ودية ضد نادٍ صغير، نجح خلالها في الحفاظ على نظافة شباكه دون أن تتلقى أي هدف. هذا الأداء أعطى بعض الأمل للمتابعين والجماهير الجزائرية، لكنه لم يكن كافياً لإقناع الطاقم الفني في نيس بمنحه المزيد من الفرص في المباريات الرسمية المهمة.
المشكلة الأساسية تكمن في أن بولهندي لا يحصل على الوقت الكافي على أرضية الملعب لإثبات قدراته الحقيقية وتطوير مستواه. حراسة المرمى من المراكز التي تتطلب الممارسة المستمرة والتعرض للمواقف المختلفة في المباريات الرسمية، وهو ما لا يحصل عليه في وضعه الحالي مع نيس. هذا النقص في الخبرة العملية يجعله غير جاهز للانتقال المباشر للمنتخب الأول والمشاركة في المباريات المصيرية.
التأثير على المنتخبات الشابة
رغم الصعوبات التي يواجهها على المستوى النادي، إلا أن بولهندي استطاع ترك بصمة واضحة مع المنتخبات الشابة للجزائر. شارك بفعالية مع منتخب الأمل في تصفيات الألعاب الأولمبية، حيث أظهر مستوى جيداً ومهارات تقنية متقدمة تؤكد على إمكاناته الكبيرة كحارس مرمى واعد. هذه المشاركات جعلت الخبراء والمدربين يؤكدون على أن بولهندي يمتلك المواصفات المطلوبة ليكون حارس المنتخب الأول في المستقبل.
علمت المصادر أن بن سماعين رشح حارسه الشاب تيدي بولهندي لحراسة عرين “محاربي الصحراء” خلال الفترة المقبلة، في ظل المستويات المميزة التي يقدمها. هذا التأييد من المدربين المحليين يعكس الثقة في قدرات بولهندي وإمكانية نجاحه على المستوى الدولي إذا ما حصل على الفرص المناسبة لتطوير مهاراته.
جدول مقارنة حراس منتخب الجزائر الحاليين
الحارس | العمر | النادي | عدد المباريات الدولية | المستوى الحالي | نقاط القوة | نقاط الضعف |
---|---|---|---|---|---|---|
أنتوني ماندريا | 26 | دون نادي | 15 | متدهور | خبرة دولية | عدم استقرار نادي |
أليكسيس قندوز | 28 | بيسيبوليس | 8 | متوسط | أداء جيد مؤخراً | عدم الثبات |
أسامة بن بوط | 25 | اتحاد الجزائر | 3 | صاعد | لعب محلي منتظم | نقص الخبرة الدولية |
تيدي بولهندي | 24 | نيس | 0 | معطل | موهبة واعدة | عدم اللعب في النادي |
زكريا بوحلفاية | 27 | شباب قسنطينة | 2 | مستقر | استقرار محلي | مستوى محدود |
جدول يوضح الوضعية الحالية لحراس مرمى منتخب الجزائر ومقارنة بين مستوياتهم
التحديات التقنية والتكتيكية
حراسة المرمى في كرة القدم الحديثة تتطلب مهارات متعددة تتجاوز الحفاظ على نظافة الشباك، حيث يجب على الحارس أن يكون فعالاً في بناء اللعب من الخلف، والتعامل مع الكرات العالية، والقراءة الصحيحة للمواقف التكتيكية المختلفة. هذه المهارات لا تُكتسب إلا من خلال الممارسة المستمرة والتعرض لمواقف متنوعة في مباريات رسمية على مستوى عالٍ.
بولهندي، رغم موهبته الواضحة، يفتقر لهذه الخبرة العملية التي تُكتسب من خلال اللعب المنتظم في مستوى عالٍ. وضعه الحالي في نيس لا يساعده على تطوير هذه المهارات المطلوبة، مما يجعل انتقاله للمنتخب الأول مجازفة كبيرة قد تؤثر على نتائج الفريق في المباريات المهمة. هذا الوضع يتطلب حلولاً جذرية قد تشمل البحث عن تحدٍ جديد في نادٍ آخر يمنحه الفرص المطلوبة.
مقارنات إقليمية ودولية
عند النظر لمنتخبات أخرى في المنطقة العربية والأفريقية، نجد أن معظمها استطاع إيجاد حراس مستقرين يلعبون بانتظام في أنديتهم ويحققون مستويات جيدة. منتخب المغرب يعتمد على ياسين بونو الذي يلعب في الدوري السعودي، ومنتخب تونس لديه أيمن الدحيل، بينما مصر تعتمد على محمد الشناوي الذي يلعب بانتظام مع الأهلي. هذا الاستقرار في منصب الحراسة ساعد هذه المنتخبات على تحقيق نتائج أفضل في البطولات الكبيرة.
الجزائر، رغم تاريخها العريق في كرة القدم ووجود مدرسة متقدمة في إعداد المواهب، تجد نفسها في موقف صعب لم تعهده من قبل. هذا الوضع يتطلب إعادة نظر شاملة في استراتيجية إعداد حراس المرمى والاستثمار في المواهب الشابة بطريقة أكثر فعالية ومدروسة.
في انتظار جيل جديد
الوضع الحالي يتطلب من بولهندي اتخاذ قرار شجاع بالبحث عن فرصة جديدة في نادٍ آخر يمنحه الوقت الكافي للعب وتطوير مهاراته. الجلوس على دكة البدلاء في نيس لن يساعده على تحقيق طموحاته مع المنتخب الوطني، والوقت يمر سريعاً في عمر اللاعبين. عليه أن يفكر في الانتقال لنادٍ يلعب في مستوى أقل نسبياً لكنه يضمن له اللعب المنتظم واكتساب الخبرة المطلوبة.
من جانب آخر، يجب على الاتحاد الجزائري لكرة القدم وضع استراتيجية طويلة المدى لإعداد جيل جديد من حراس المرمى، تشمل برامج تدريبية متخصصة وشراكات مع أندية أوروبية تضمن حصول المواهب الشابة على الفرص المناسبة للتطور. كما يجب العمل مع وكلاء اللاعبين لإيجاد الأندية المناسبة التي تقدم فرصاً حقيقية للعب وليس مجرد عقود تجارية.
في النهاية، أزمة حراسة المرمى في منتخب الجزائر تتطلب حلولاً عملية وسريعة، وبولهندي يمثل جزءاً من الحل إذا ما تمكن من اتخاذ القرارات الصحيحة في مسيرته المهنية. الجماهير الجزائرية تنتظر ظهور خليفة حقيقي لرايس مبولحي، وهذا الانتظار قد يطول إذا لم تُتخذ إجراءات جدية لحل هذه المعضلة التي تهدد طموحات المنتخب في البطولات المقبلة.