في تصريح مفاجئ يحمل الكثير من المشاعر الإنسانية، كشف قائد المنتخب الوطني الجزائري رياض محرز عن تفصيل صغير لكنه يحمل دلالات كبيرة حول العلاقة التي تربطه بزميله ياسين براهيمي، ليضع حداً نهائياً للشائعات التي طالما دارت حول توتر العلاقة بين نجمي “الخضر”.
الصداقة التي تحدت الزمن والشائعات
في مقابلة حميمية مع قناة الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، وبعد التحاقه بتربص المنتخب الوطني استعداداً لمواجهتي مالي وأوغندا ضمن تصفيات كأس العالم 2026، أدلى رياض محرز بتصريح استثنائي قائلاً: “منذ 11 سنة وأنا أشارك نفس الغرفة مع ياسين براهيمي في معسكرات المنتخب، ولم نتغير أبداً”. هذه الكلمات البسيطة في ظاهرها تحمل عمقاً كبيراً عن طبيعة العلاقة الأخوية التي تجمع اللاعبين، والتي تمتد لأكثر من عقد من الزمن.
التصريح جاء ليكسر حاجز الصمت حول الشائعات المتكررة التي كانت تتحدث عن خلافات وتوترات بين اللاعبين، خاصة في ظل غياب براهيمي عن التشكيلة الحالية للمنتخب. محرز، الذي يُعرف بطبيعته الهادئة ونُدرة تصريحاته الشخصية، اختار أن يكشف هذا السر الجميل ليؤكد أن ما يُشاع عن علاقات متوترة داخل المنتخب الوطني ما هو إلا “زوبعة في فنجان”، وأن الواقع مختلف تماماً عما تروّج له بعض الأوساط الإعلامية.
العلاقات الإنسانية.. وقود النجاح الرياضي
رياض محرز لم يكتفِ بالكشف عن هذا التفصيل اللطيف، بل أكد أن مثل هذه العلاقات الشخصية تُعتبر من الأسباب الخفية وراء نجاحات المنتخب الجزائري في السنوات الأخيرة. فالروابط القوية بين اللاعبين خارج الملعب تنعكس إيجابياً على الأداء الجماعي داخله، خاصة في المواجهات المصيرية التي تتطلب تماسكاً نفسياً وانسجاماً تاماً بين عناصر الفريق.
ويرى خبراء علم النفس الرياضي أن الاستقرار النفسي والراحة الشخصية للاعبين في معسكرات المنتخبات الوطنية عامل حاسم في الأداء الفني. فاختيار محرز وبراهيمي البقاء في نفس الغرفة طوال هذه السنوات يعكس مستوى عالياً من الثقة المتبادلة والصداقة الحقيقية التي تتجاوز حدود المصالح الكروية المؤقتة. هذا النوع من “الطقوس” أو “العادات الإيجابية” يخلق طاقة خاصة تساهم في تعزيز روح الفريق، كما أشار محرز في حديثه.
من ليستر سيتي إلى قلوب الجزائريين
العلاقة بين محرز وبراهيمي بدأت منذ الأيام الأولى لانضمام “الساحر” إلى صفوف المنتخب الوطني في بداية العقد الماضي. ومنذ ذلك الحين، شهد الثنائي معاً أجمل اللحظات وأصعبها مع “الخضر”، بداية من المشاركة في كأس العالم 2014 في البرازيل، مروراً بالتتويج التاريخي بلقب كأس أمم أفريقيا 2019 في مصر، وصولاً إلى المشاركة في كأس افريقيا بالكاميرون.
هذا المشوار الطويل المشترك خلق ذكريات لا تُنسى وعزز من ترابط اللاعبين، ليس فقط على المستوى الرياضي بل على المستوى الإنساني أيضاً. فالسفر المتكرر، والضغوط النفسية الكبيرة، والبعد عن العائلة، كلها عوامل تجعل وجود صديق حقيقي بجانبك في الغرفة أمراً يُخفف من الأعباء ويُعيد شحن الطاقة الإيجابية.
براهيمي خارج الخيارات.. لكن الصداقة باقية
رغم أن ياسين براهيمي حالياً خارج خيارات المدرب الوطني، إلا أن تصريح محرز يؤكد أن الصداقة تتجاوز حدود التشكيلات الرسمية والاختيارات الفنية. هذا يعكس نضج اللاعبين وفهمهم العميق لطبيعة كرة القدم، حيث القرارات الفنية قد تتغير، لكن العلاقات الإنسانية النبيلة تبقى راسخة.
الجماهير الجزائرية تفاعلت بشكل كبير مع هذا التصريح على منصات التواصل الاجتماعي، معبرة عن سعادتها بهذه العلاقة الجميلة بين نجمي المنتخب، ومُشيدة بأخلاقيات محرز الذي اختار التحدث عن زميله بكل محبة واحترام حتى في غيابه عن التشكيلة.
رسالة للأجيال القادمة
تصريح رياض محرز يحمل رسالة هامة للأجيال الصاعدة من اللاعبين الجزائريين: النجاح الحقيقي لا يُبنى فقط على المهارات الفنية والإنجازات الفردية، بل أيضاً على القيم الإنسانية والعلاقات الصادقة التي تُشكل الأساس المتين لأي فريق ناجح. فالكرة ليست فقط لعبة أهداف وبطولات، بل هي أيضاً مدرسة للحياة تُعلم الولاء والصداقة والتضامن.
وبينما يستعد المنتخب الوطني لمواجهتين حاسمتين في تصفيات المونديال، يبقى تصريح محرز بمثابة تذكير بأن القوة الحقيقية للخضر لا تكمن فقط في المواهب الفردية الاستثنائية، بل في الروابط القوية التي تجمع بين هؤلاء اللاعبين، وهي روابط صمدت أمام الزمن والشائعات والضغوط، لتبقى شاهدة على جمال الصداقة في عالم كرة القدم.