الإحصائيات تُنصف دفاع المنتخب الجزائري وتكشف الخلل في المنظومة

تشير الإحصائيات إلى أن الحديث عن ضعف الدفاع الجزائري قد يكون مبالغاً فيه، حيث تلقى المنتخب 6 أهداف فقط في آخر 10 مباريات رسمية، دون أن يستقبل أكثر من هدف واحد في المباراة الواحدة منذ الهزيمة أمام غينيا (1-2). هذا المعدل، الذي يبلغ 0.6 هدف لكل مباراة، يُعتبر مقبولاً جداً وفقاً للمعايير الدولية، وليس سيئاً بالقدر الذي تصوره الانتقادات المتكررة.

النقطة الأهم أن معظم الأهداف المستقبلة جاءت من الكرات الثابتة أو الكرات المرتدة من الدفاع، وهي مسؤولية جماعية تشمل جميع اللاعبين في الرقابة الفردية وليس رباعي الدفاع فقط. هذا التحليل يكشف أن المشكلة ليست في القدرات الدفاعية بحد ذاتها، بل في التنسيق والتطبيق الجماعي للمهام الدفاعية.

في كرة القدم الحديثة، لم يعد التركيز على جودة المدافعين الأفراد، بل على المنظومة الدفاعية الشاملة التي تبدأ من خط الهجوم وتمتد حتى حارس المرمى. النموذج الأرجنتيني في كأس العالم 2022 يوضح هذا المفهوم بشكل مثالي، حيث فاز المنتخب بالبطولة دون امتلاك مدافعين عالميين كبار (باستثناء أوتاميندي ربما)، لكن جميع اللاعبين من مولينا وروميرو وتاليافيكو وأكونيا ساهموا في العمل الدفاعي.

الأهم من ذلك أن لاعبي الوسط والهجوم مثل إينزو فرنانديز وماكاليستير وباريداس ودي بول ودي ماريا وحتى ألفاريز كانوا يشاركون في المهام الدفاعية، باستثناء ميسي الذي كان يُحفظ مجهوده البدني للمهام الهجومية الإبداعية.

في مباراة بوتسوانا الأخيرة، كان عمورة وبودواي أفضل لاعبين جزائريين لأنهما الوحيدان اللذان قاما بأدوار هجومية ودفاعية متوازنة.

المثال الواضح جاء في الدقيقة 90 عندما شن بوتسوانا هجمة خطيرة، حيث عاد بودواي للتغطية على عطال (رغم فشله في إيقاف المهاجم بسبب الإرهاق)، بينما وقف عمورة في ظهر المدافعين ونجح في تشتيت الكرة. هذا المشهد يوضح أن المشكلة ليست في المدافعين أنفسهم، بل في غياب الدعم الجماعي من باقي اللاعبين.

تاريخياً، الجزائر منتخب هجومي بطبيعته ولا يمتلك تقاليد دفاعية راسخة مثل إيطاليا أو البرازيل. من كرة القدم الشعبية في الشوارع إلى المستوى الاحترافي، هناك ميل دائم نحو اللعب الهجومي، وليست لدينا ثقافة الدفاع الجماعي المتجذرة.

حتى في عهد رباعي الدفاع القوي (سعدان وآخرين)، كان المنتخب يتلقى أهداف لأن الفلسفة العامة تميل نحو الهجوم. في التصفيات الحالية، سجلت الجزائر 19 هدفاً وتلقت 7 أهداف (+12)، بينما تونس سجلت 12 ولم تتلق أي هدف (+12). النتيجة النهائية متشابهة، لكن الأسلوب مختلف: الجزائر تعتمد على القوة الهجومية، وتونس على الصلابة الدفاعية.

المشكلة في نقص المدافعين الكبار ليست خاصة بالجزائر، بل تشمل العالم كله. معظم المدربين الحديثين يركزون على بناء المنظومة الدفاعية بدلاً من البحث عن مدافعين استثنائيين.

هذا يفسر إصرار بيتكوفيتش على الاعتماد على نفس الأسماء في الدفاع رغم الانتقادات الموجهة لتوغاي وماندي. السؤال المطروح: هل نمتلك مدافعين بحجم مالديني أو راموس ونتركهم في الاحتياط؟ الجواب واضح: لا. المشكلة ليست في الفرديات تحديداً، بل في التكامل والانسجام وتطبيق المنظومة الدفاعية بشكل صحيح، لذلك يصر المدرب على المجموعة التي تحقق النتائج.

التحليل الموضوعي يشير إلى أن دفاع المنتخب الجزائري ليس ضعيفاً بالمعنى المطلق، بل يعاني من نقص في الدعم الجماعي من باقي خطوط الفريق.

الأرقام الدفاعية مقبولة، والمشاكل الحقيقية تكمن في عدم تطبيق المفهوم الحديث للدفاع الجماعي. الحل لا يكمن في تغيير المدافعين، بل في تطوير ثقافة دفاعية شاملة تشمل جميع اللاعبين، على غرار النموذج الأرجنتيني. هذا التطور يحتاج وقتاً وصبراً، لكنه الطريق الوحيد لبناء منتخب متوازن قادر على المنافسة في أعلى المستويات.