هذه أسرار هجرة المنتخبات الإفريقية الى الجزائر قبل كأس إفريقيا 2025
وليد صادي - رئيس الإتحاد الجزائري لكرة القدم

في تطور لافت يعيد تشكيل معادلات التحضير للاستحقاقات الكروية الكبرى، تشهد الجزائر حراكاً دبلوماسياً ورياضياً استثنائياً قد يجعلها الوجهة الأولى للمنتخبات الأفريقية المتطلعة للتألق في كأس أمم إفريقيا 2025 بالمغرب. هذا التحول الجذري في أنماط التحضير القاري لا يأتي من فراغ، بل يحمل في طياته قصة نجاح دبلوماسية رياضية محكمة التخطيط، تقودها شخصية مؤثرة في الهرم الإداري للكرة الأفريقية.

المشهد الذي بدأ يتبلور تدريجياً يحمل دلالات عميقة تتجاوز مجرد اختيار مكان للتدريب، إنه انعكاس لتطور النفوذ الجزائري في القارة السمراء وترجمة عملية لاستراتيجية طويلة المدى في بناء شراكات استراتيجية مع الجيران الأفارقة.

خلف هذا التحول الجذري في توجهات المنتخبات الأفريقية نحو الجزائر، تقف شخصية محورية لا يمكن إغفال دورها في رسم ملامح هذا المشهد الجديد.

وليد صادي، رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم وعضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الأفريقية، نجح في تحويل منصبه الإداري إلى أداة دبلوماسية فعالة تخدم الكرة الجزائرية بطريقة غير مباشرة ولكن شديدة التأثير.

الرجل الذي يدرك جيداً أن النفوذ في الكرة الأفريقية لا يُبنى بالألقاب فحسب، بل بالعلاقات والشراكات الاستراتيجية، استطاع أن يحول الجزائر إلى قبلة لأبرز المنتخبات الأفريقية التي تبحث عن التميز في التحضير.

هذا النجاح في إقناع منتخبات بوزن أنغولا وجنوب إفريقيا وجزر القمر وموزمبيق باختيار الجزائر كقاعدة للإعداد، يعكس مهارة دبلوماسية عالية في قراءة احتياجات هذه المنتخبات وتقديم البديل الأمثل لها في توقيت حرج.

تتمتع الجزائر بميزة جغرافية ومناخية فريدة تجعلها الخيار الأكثر منطقية للمنتخبات الأفريقية الساعية للتأقلم مع ظروف المغرب قبل انطلاق كأس الأمم. هذا التشابه المناخي ليس مجرد صدفة جغرافية، بل يمثل عاملاً حاسماً في عملية التكيف النفسي والجسدي للاعبين قبل خوض أهم استحقاق قاري.

المنتخبات الأفريقية، خاصة تلك القادمة من المناطق الاستوائية أو الصحراوية، تدرك جيداً أن الانتقال المباشر إلى أجواء المغرب قد يخلق صدمة مناخية تؤثر على الأداء الفني واللياقة البدنية للاعبين.

الجزائر، بموقعها الاستراتيجي وتنوعها المناخي الذي يحاكي أجواء المغرب، تقدم حلاً مثالياً لهذه المعضلة، حيث يمكن للفرق التدرج في التأقلم المناخي دون التعرض لصدمات مفاجئة قد تعرقل برامج الإعداد المحكمة التي وضعتها الأجهزة الفنية.

تمتلك الجزائر ترسانة من الملاعب والمنشآت الرياضية التي تضعها في مقدمة الدول الأفريقية من حيث جودة البنية التحتية الكروية، وهو ما يفسر جاذبيتها للمنتخبات الباحثة عن شروط إعداد مثالية.

ملعب حسين آيت أحمد بتيزي وزو، هذا الصرح الرياضي الذي يتسع لأكثر من 50 ألف متفرج، يقدم تجربة تدريب فريدة بمعايير دولية عالية، بينما يوفر ملعب علي عمار “علي لابوانت” في العاصمة أجواءً أولمبية حقيقية تحاكي أهم الملاعب العالمية.

هذا التنوع في المنشآت لا يقتصر على العاصمة والمدن الكبرى، بل يمتد إلى مختلف ربوع الوطن، من ملعب حملاوي بقسنطينة إلى الملعب الأولمبي بعنابة، مروراً بملعب مصطفى تشاكر بالبليدة وملعب ميلود هدفي بوهران. هذا التوزيع الجغرافي المدروس للمنشآت الرياضية يتيح للمنتخبات الضيفة خيارات متعددة تناسب برامجها التدريبية وتفضيلاتها اللوجستية، مما يعزز من جاذبية الجزائر كوجهة للإعداد القاري.

استقبال هذه المنتخبات لا يمثل مجرد عمل دبلوماسي أو رياضي، بل يحمل أبعاداً اقتصادية وتنموية مهمة تصب في خانة الاستثمار طويل المدى في القطاع الرياضي والسياحي.

هذه المعسكرات التحضيرية تجلب معها استثمارات مباشرة في الفنادق والمرافق السياحية، وتخلق فرص عمل مؤقتة في قطاعات الخدمات المختلفة، كما تسهم في تسويق الجزائر كوجهة رياضية متميزة على الخريطة الأفريقية والعالمية.

الأهم من ذلك، أن هذا التوجه يفتح المجال أمام تبادل الخبرات الفنية والتقنية بين الكوادر المحلية ونظرائها من المنتخبات الضيفة، مما يسهم في تطوير الكرة الجزائرية بشكل غير مباشر.

هذه الشراكات قد تتطور مستقبلاً إلى اتفاقيات تعاون أوسع في مجالات التكوين وتبادل اللاعبين والخبرات التدريبية، مما يجعل من الجزائر محوراً مهماً في منظومة الكرة الأفريقية الجديدة.

هذا التحول النوعي في مكانة الجزائر الرياضية على الساحة الأفريقية يحمل في طياته إمكانات هائلة لتعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي للبلاد في القارة السمراء.

النجاح في جذب هذه المنتخبات قد يكون بداية لمرحلة جديدة تشهد تنظيم الجزائر لأحداث رياضية أفريقية كبرى، أو حتى الترشح لاستضافة نسخ مستقبلية من البطولات القارية. الأمر لا يتوقف عند حدود كرة القدم، بل قد يمتد إلى رياضات أخرى، مما يجعل من الجزائر قوة ناعمة مؤثرة في المنطقة.

هذا الاستثمار في الدبلوماسية الرياضية، إذا تم تطويره بشكل منهجي ومدروس، قد يحول الجزائر إلى مركز إقليمي للتميز الرياضي، يستقطب ليس فقط المنتخبات للتحضير، بل أيضاً الاستثمارات والشراكات طويلة المدى التي تخدم التنمية المستدامة للقطاع الرياضي الوطني.